ولنا لرفع كلّ من هذين طريق.
أمّا الأوّل : فطريق رفعه أنّ من يقول : ماء الغسالة طاهر بالإجماع مثلا فلا إشكال في ظهور هذا القول في انعقاد الإجماع في نفس الفرع ، وقد فرغنا عن حجيّة الظواهر ، فيكون ظهور كلامه حجّة يرفع به احتمال إرادة الإجماع على الأصل ، وبعد هذا الظهور يرتفع احتمال إرادته الخلاف بدليل اعتبار الظهور ، ويرتفع احتمال كونه مريدا للظاهر ، لكن كان كاذبا في دعواه وأنّ الواقع كونه محصّلا للإجماع على الأصل بأدلّة الغاء احتمال كذب العادل.
وأمّا الثاني : فلأنّ طريقة العقلاء حمل أفعال العاقل على ما هو غير خارج عن حدّ المتعارف ، فكما يرفعون احتمال الخطاء والغفلة والنسيان في حقّ من يحتملون فيه ذلك ، كذلك يرفعون احتمال الخروج عن المتعارف في حصول التصديق والاعتقاد أيضا مع احتماله، وجرى بنائهم على عدم الاعتناء بالاحتمال في المقام الثاني ، كما جرى في المقام الأوّل. وإن شئت قلت : إنّ حالة الخروج عن حدّ المتعارف في الاعتقاد في جانب الحصول مثله في طرف عدم الحصول يكون من الأمراض لصاحبه ، فأصالة الصحّة صالحة لرفع احتماله.
قلت : هذا أيضا لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ فإنّا سلّمنا رفع احتمال كون الإجماع المدّعى في الفرع منعقدا في الأصل دون الفرع لظاهر الكلام ، ولكنّ الأصل المدّعى في المقام الثاني ممنوع ، وجه المنع أنّ الاعتقاد بحسب طرفيه من الحصول وعدم الحصول وإن كان محدودا وهو أن يتعدّى عن الطريقة المتعارفة تعدّيا فاحشا ، إمّا في جانب الإفراط بأن لا يحصل له الجزم من إخبار آلاف عدول محتاطين في الإخبار ، وإمّا في جانب التفريط ، كأن يحصل له الاعتقاد بمجرّد إخبار رجل واحد مجهول غير معتنى بإخباره ، لكن ليس لوسطه حدّ محدود ومقدار مضبوط ، بل الأشخاص مختلفون في ذلك غاية الاختلاف.
ولهذا ترى أنّه يكون إخبار جماعة عند أحد بالغا حد التواتر ، لإفادته له القطع ، ولا يكون عند آخر بالغا هذا الحد ، لعدم إفادته القطع له ، فليس للتواتر عدد معلوم ،