ولهذا أيضا ترى اختلاف الاشخاص في الاستظهار من الأدلّة اللفظيّة ، فربّما يكون شخص في غاية المتانة والفطانة يحصل له القطع بإخبار أربعة بواسطة معاشرته معهم واطلاعه على أحوالهم بما يوجب كمال وثوقه بهم ، أو قابل مصنّفاتهم مع مصنّفات غيرهم ، فوجد في كلماتهم اتقانا لم يجده في كلمات غيرهم ، ومن هنا يحصل له القطع من اتفاقهم بموافقة الامام ، ولكن لا يحصل هذا القطع لغير المعاشر الغير المتتبع.
وبالجملة ، فأحوال النقلة وتتبّعهم مختلف في ذلك اختلافا كثيرا ، وليس لمتعارفه حدّ محدود حتّى يعيّن هذا الحدّ بالأصل فيثبت بذلك كونه من قبيل ما لو كان محصّلا لدى المنقول إليه لأوجب حدسه وقطعه ، بل يحتمل أن يكون حصل للناقل القطع بما لا يوجبه للمنقول إليه ، مع عدم خروج أحدهما عن المتعارف.
بقي الكلام في نقل التواتر في الآية أو الخبر ، فاعلم أوّلا أنّ الخبر تارة لا يكون بما هو خبر مفيدا للقطع ، بل بملاحظة حال المخبر ووثاقته ، فربّما يفيد بهذه الملاحظة خبر شخص واحد ، واخرى يكون بما هو خبر مع قطع النظر عن الناقل مفيدا للقطع ، والتواتر من هذا القبيل ، فإنّ الاخبار تصير متعدّدة إلى حدّ يحصل العلم للإنسان ، ثمّ ليس له حدّ مضبوط وعدد معلوم متى تحقق الاخبار من هذا العدد تحقّق العلم نوعا ، ومتى لم يتحقّق لم يتحقّق العلم نوعا ، بل هو مختلف بحسب الأشخاص ، فربّ عدد يكون تواترا ومفيدا للقطع عند شخص ولا يكون عند آخر.
إذا عرفت ذلك فالآثار التي يطلب ترتيبها بحجيّة نقل التواتر يكون بين ثلاثة أقسام ، الأوّل : الأثر المترتّب على نفس الواقع المخبر به ، فإذا نقل تواتر الأخبار على طهارة الغسالة فالمنقول اليه هل يرتّب أثر الطهارة أولا؟ ، والثاني الأثر المترتّب على نفس التواتر لو كان أثر لهذا الموضوع ، مثل ما لو نذر أن يحفظ كلّ خبر متواتر ، وهذا على قسمين ، إمّا أن يكون موضوع الأثر هو التواتر عنده ، وإمّا أن يكون هو التواتر عندنا ، لا إشكال في ترتيب الأثر المترتّب على التواتر عنده ، فإنّه يشمله أدلّة حجيّة خبر العادل ، فإنّ اخباره مستند إلى الحس والوجدان ؛ فإنّ إخباره بتعدّد المخبرين والرواة حسّي ، وبحصول العلم له من إخبارهم وجداني ، فلو لم يقبل نقله