بالنسبة إلى هذا الحسّي والوجداني لما كان وجه لذلك إلّا حمل كلامه على تعمّد المكذب المنفي بأدلّة الحجيّة.
وكذلك لا إشكال ظاهرا في عدم ترتّب الأثر المترتّب على التواتر عندنا وإن كان ربّما يتوهّم كونه محلا للإشكال باعتبار أنّه إذا كان الموضوع للأثر هو الثبوت عندنا فلا فرق بين ثبوته بالعلم أو بطريق تعبّدي يقوم مقامه ، فهو كما إذا قال المولى : إذا ثبت عندك قيام زيد فافعل كذا ، فإنّ طريق ثبوت القيام كما يكون بالعلم كذلك يكون بإخبار العادل به ؛ إذ معنى الثبوت هو وجدان الطريق ، فكذا إذا قيل : متى ثبت عندك التواتر فافعل كذا ، فإنّه أيضا يلزم ترتيب هذا الأثر عند إخبار العادل بالتواتر ، فإنّه قد ثبت عندي التواتر بخبر العادل.
ولكنّه توهّم في غير المحلّ ؛ فإنّك قد عرفت أنّ حدّ التواتر ليس بمضبوط ، بأن يكون إخبار الألف مثلا تواترا بحسب نوع الأشخاص ، وإخبار ما دونه لا يكون تواترا بحسب نوعهم ، فإذن فلا بدّ في إحرازه من تحقّق العدد المفيد للعلم عند كلّ شخص حتى ثبت التواتر عنده ، وحينئذ فحال إخبار الناقل عن التواتر غير خارج عن شقّين ، فإنّه إمّا يدّعي بأنّ العدد المفيد للعلم عنده قد تحقّق ، فهذا ليس بموضوع للأثر ؛ إذ قد فرضنا أنّه العدد المفيد للعلم لنا.
وإمّا يدّعي تحقّق العدد المفيد للعلم عندنا ، فلا دليل على التعبد بقوله ، فإنّه لا طريق له إلى وجدان شخص آخر غير نفسه ، وإنّما ذلك حدس منه نظير الحدس الحاصل من مدّعي الإجماع حيث إنّه أيضا يدّعي أنّ هذا ممّا يوجب القطع النوعي ، كمدّعي الظهور النوعي ، لكن قلنا : إنّه مع عدم لزوم كون المدّعى خارجا عن المتعارف حتى يدفع بالأصل يحصل الاختلاف حسب اختلاف الأشخاص ، وبعد عدم شمول الآية إلّا للإخبار عن الحسّ لا ينفى احتمال خطائه في هذا الحدس بأصل عقلائي ولا شرعي.
فإن قلت : نحن نفرض أنّ الناقل قد أحرز من حال المنقول إليه أنّه يقطع بإخبار ألف نفر ، فلو أخبره بهذا العدد فلا بدّ من ثبوت التواتر.