قلت : نعم ولكن يلزم ترتيب آثار الواقعي على هذا أيضا ، ومدّعانا أنّه في مورد يتوقّف في ترتيب آثار الواقع لا يمكن ترتيب آثار التواتر عند المنقول إليه ، فإذا فرضنا أنّ رؤية شخص عدد المخبرين في الكثرة بالغا حدا يحصل منه القطع عادة ليس ملازما عاديا لثبوت نفس الواقع ، وذلك لمدخليّة خصوصيّة الأشخاص في ذلك ، فكما لا يمكن الحكم بثبوت الواقع وترتيب آثاره ، فكذلك لا يمكن الحكم بثبوت التواتر الذي هو العدد الملازم لثبوت الواقع ، فكما يقال : إنّ حدسه في المقام الأوّل لا دليل على اتّباعه ، فكذلك في المقام الثاني بلا فرق ، فدعوى اطّلاعه على وجداننا غير مسموعة منه.
وبالجملة ، فهذا نظير ما إذا رتّب الأثر على نفس العلم ولو على وجه الطريقيّة ، فإنّه لا ريب في أنّ هذا الأثر يتوقّف ترتّبه على حصول العلم لنا بالوجدان ، ولا يكفي إخبار عادل بحصول العلم ، فإنّه إن ادّعى العلم له فلم يتحقّق الموضوع في حقّنا ، وإن ادّعاه لنا فهو مقطوع الخلاف ، فإنّ كلّ أحد أعرف بوجدان نفسه من غيره ، فكيف يكون قوله حجّة مع اطلاعنا على عدم حصوله في وجداننا.
وهكذا الكلام في التواتر ، فإنّه عبارة عن إخبار عدد يوجب الجزم ، ولا ينفك عن الجزم الفعلي ؛ إذ قد فرضنا أنّه لا يستقرّ على عدد معلوم حتى يصير له موضوع خارجي معلوم مثل قيام زيد في المثال ، بل هو دائر مدار حصول العلم ، فيكون مثل نفس العلم ، فلا بدّ من قيام هذا العدد عند كلّ أحد وإفادته للجزم في نفسه ووجدانه حتى يتحقّق عنده موضوع التواتر.
وأمّا مجرّد إخبار عادل بحصول هذا العدد فإن كان مدّعاه حصول ما يفيد الجزم له ، فهذا ليس محقّقا لموضوع التواتر بالنسبة إلى غيره ، وإن كان مدّعاه حصول ما يفيد الجزم لغيره فهذا دعوى لا يسمع من غير من يعلم الغيب.
وإذن فلا إشكال في عدم حجيّة نقل التواتر بالنسبة إلى الآثار المترتّبة على التواتر عند المنقول إليه وإن فرض كون العلم مأخوذا في الموضوع على وجه الطريقيّة دون الصفتية ، بأن كان الموضوع هو العلم بالتواتر بمعنى الطريق إليه.