لا يكون المدلول المطابقي ملحوظا أصلا ، كما يقال : لو نظرت إلى ظلّ فلان نظر سوء لأفعلنّ بك كذا ، فإنّ المقصود في الحقيقة ليس النهي عن النظر إلى ظلّه ، بل إيراد أنواع التوهين عليه ، ومن المعلوم أنّه لا يتفوّه أحد مثل ذلك في الشهرة بالنسبة إلى أدلّة حجيّة خبر الثقة ، وأنّى لأحد أن يدّعي أنّ العرف يفهم من قولنا : خبر الثقة حجّة ، أنّ الشهرة أيضا حجّة.
وأمّا الثاني فتماميّته مبتنية على كون المناط لحجيّة خبر الثقة إفادته الظن الفعلي أو النوعي ، وليس كذلك ، بل مناط الحجيّة غلبة المطابقة مع الواقع بحيث كان موارد التخلّف في غاية الندرة ، كما لو كان المتخلّف بين المائة واحدا.
فإن قلت : إنّ العقلاء ـ كالشرع ـ يرون خبر الثقة حجة ، ويرون الشهرة أيضا حجّة ، والفرق بين هذين الظنّين وسائر الظنون الغير الحجّة عندهم ليس لا محالة إلّا من جهة رؤية غلبة المطابقة في هذين دون ذلك ، ولا يخفى أنّ هذا المناط عندهم في الشهرة أقوى من خبر الثقة.
قلت : لو نزّلنا الأدلّة الواردة في حجيّة خبر الثقة على تقرير طريقة العرف ، تمّ ذلك على فرض تسليم ما ذكرت من حجيّة الشهرة عند العقلاء وأتمّية المناط عندهم فيها ، وأمّا لو كانت الأدلّة المذكورة بصدد التأسيس فلا يخفى أنّ إحراز أغلبيّة المطابقة إنّما يكون بنظر العرف ، ولا ملازمة بينها وبين الأغلبيّة بنظر الشرع ، والملاك إنّما هو الثاني.
فإن قلت : إذا احرز الأغلبيّة بنظر العرف فلا محالة يحرز بنظر الشارع ؛ لأنّ هذا معنى الظنّ وإدراك الواقع بطريق الراجح ، وإلّا يلزم التناقض وأنّه رجّح في نظرهم ذلك ، وما رجّح.
قلت : نعم ، ولكن غايته الظن بذلك دون القطع ، فيصير تنقيحا ظنّيا للمناط لا قطعيّا ، ولا دليل على حجيّة هذا الظن ، وذلك لأنّ الإنسان إذا جمع مائة فرد من ظنون الحاصلة في مائة مورد فهو لا يقطع بأنّ المخالف ممّا بين المائة واحد ، بل يحتمل موهوما كون الجميع مخالفا ، نعم يظنّ ذلك ، وهو ما ذكرنا من التنقيح الظنّي ، ثمّ من