الممكن أن يكون المناط في نظر الشارع لم يكن مطلق الغلبة ، بل الغلبة بالحدّ الخاص ، ومن الممكن عدم بلوغ الغلبة المظنونة لنا في الشهرة ذلك الحدّ ، وبذلك يخرج عن كونه تنقيحا ظنّيا أيضا.
فتحصّل أنّ ملاك الحجيّة في خبر الثقة هو الطريقيّة ، ولكنّ الطريقيّة هناك ليس بمعنى الظنّ الفعلي أو النوعي ، بل المقصود بها هو أنّ الشارع رأى هذا الطريق أغلب مطابقة من غيره فلهذا أوجب العمل به دون غيره ، ولم يحرز هذا المعنى في الشهرة ؛ إذ لا طريق لنا إلى إثبات كون الأغلب من أفرادها مطابقا ، بل يحتمل موهوما أن تكون جميع أفرادها أو غالبها مخالفا ، وعلى تقدير كون غالب أفرادها مطابقا فمن أين نعلم كون الغلبة فيها على حدّ الغلبة في الخبر ، فلعلّ الغلبة في الخبر يكون في نظر الشارع بحدّ ليس بين المائة خبر إلّا مخالف واحد ، وهذا الحدّ له خصوصيّة في نظر الشارع في الحجيّة.
وبالجملة ، من أين لنا سبيل إلى إحراز الغلبة في الشهرة على حذو الغلبة التي رآها الشارع في الخبر بلا تفاوت أصلا؟ وبدون ذلك لا يمكن دعوى القطع بتنقيح المناط ، بل يمكن أن يقال : إنّ مناط الحجيّة ليس هو الأقربيّة إلى الواقع وقلّة التخلّف ، وذلك لأنّ ظواهر الألفاظ عند العقلاء حجّة في تشخيص مراد المتكلّم ، ولو كان الظنّ الفعلي على خلافه من طريق غير معتبر فلا يعتنون بهذا الظن ، حتى لو فرض وجود هذا الظن في غالب موارد الظواهر ، مع أنّه لا يمكن الحكم في تلك الموارد بأنّ المتخلّف في هذا المظنونات المخالفة للظواهر أكثر من المتخلّف في تلك الموهومات الموافقة لها ، فلا بدّ أن يقال : إنّ الأقربيّة المذكورة ليست تمام المناط ، بل لخصوصيّة المورد أيضا دخل تعبّدا عقلانيا.
ألا ترى أنّ الوثوق الحاصل من المخبر بعد الفراغ من إخباره متّبع عندهم ، وأمّا الوثوق الحاصل بأصل صدور الخبر من الخبر لا من قول مخبر بالصدور غير متّبع ، مع أنّهما في ملاك الأقربيّة بنظرهم بمرتبة واحدة.
والوجه الثاني : دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة الواردتين في