نقول : إنّ الشهرة الاصطلاحيّة التي هي عبارة عن الكثرة في مقابل القلّة اصطلاح جديد يطلق في مقابل الإجماع ، وإلّا فمعنى هذه اللفظة لغة هو الوضوح والظهور ، يقال : فلان شهر سيفه وسيف شاهر ، يعني برز ، فالمراد بالمشهور في الروايتين هو الواضح الذي يعرفه كلّ أحد ، وهذا داخل في بيّن الرشد ، ومن هنا قال : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» واستشهد بحديث التثليث ، وهذا المعنى متى يتحقّق لا ريب في حجيّته ، ولكنّه أجنبيّ عن الشهرة.
وثالثا : لو سلّمنا كون الشهرة أعمّ من الفتوائيّة وكون المراد هي الاصطلاحيّة بملاحظة قوله : هما معا مشهوران ، والجواب بالرجوع إلى أعدلهما ، فإنّه مع مقطوعيّة صدور كلّ منهما وعدم الشكّ لا معنى للأخذ بالأعدل كما هو واضح ، ولكن غاية ما يثبت بالروايتين مرجحيّة الشهرة ، ولا منافاة بين كون الشيء مرجّحا وعدم كونه مرجعا بالاستقلال ، ولهذا على مبنى شيخنا المرتضى في الخبرين المتعارضين ـ حيث تعدّى عن المرجّحات المنصوصة إلى كلّ ظنّ حصل من أيّ سبب ، فعند وجود ظنّ على طبق أحد المتعارضين ذهب إلى الأخذ بالطرف المطابق له ـ يكون الظنّ المطلق مرجّحا ، مع عدم قوله قدسسره بحجيّته ومرجعيّته.
وبالجملة ، فلا ملازمة بين المعنيين ، والثابت من الروايتين هو المرجحيّة ، فيبقى مرجعيّة الشهرة بلا دليل ، فيكون داخلة تحت الأصل أعني حرمة العمل بالظنّ.
فإن قلت : قوله في المقبولة : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» بعد فرض كون المراد هو المشهور كما ذكرنا ، ووضوح أنّ المراد بكونه «لا ريب فيه» أيضا لا يمكن كونه كذلك بقول مطلق ، فلا بدّ من إرادة أنّه لا ريب فيه بالإضافة إلى مقابله الذي ليس بمشهور ، ووجه إطلاق «لا ريب فيه» عليه بقول مطلق أنّه ممّا لا ريب فيه عند العقلاء ولا يصير كذلك إلّا مع كون المشهور متّبعا وحجّة عقلائيّة ، فحينئذ يحصل من التعليل أمران : تشخيص صغرى الحجّة العقلائيّة ، وتقرير الشارع هذه الطريقة ، ومن المعلوم أنّ الشهرة مثلا إذا كانت كذلك عند العقلاء كان ذلك مساوقا لحجيّته بالاستقلال.