البحث في المسألة إلى البحث عن أحوال واحد من الأدلّة إمّا بعنوانها أو بذاتها والرجوع إلى ميزان آخر وهو أنّ الاصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لكشف الحال بالنسبة إلى الأحكام الواقعيّة.
وبعبارة اخرى نتيجة هذه القواعد مفيدة بحال تلك الأحكام إمّا علما بها ، وإمّا تنجيزا لها ، وإمّا عذرا عنها على تقدير الثبوت ، يعني ثبوت الإلزام في الواقع.
أقول : لا بأس بتفصيل الكلام في هذا المرام وإن تقدّم الكلام فيه في أوّل الشروع في الفن ، فنقول : إنّ القوم جعلوا موضوع الاصول الأدلّة الأربعة فاستشكل عليهم بأنّه على هذا يلزم خروج جلّ المسائل لو لا كلّها عن كونها مسائل الفن واندراجها في المبادي ، وذلك لأنّ البعض الذي يكون مباديا للعلم من قبيل المبادي اللغوية واضح كونها من المبادي.
وأمّا البعض الذي يحسب من المسائل فلا إشكال أنّ البحث في شيء منها ليس عن عوارض الأدلّة بعد الفراغ عن كونها أدلّة ، وإنّما يبحث فيها عن الدليليّة إلّا مباحث التعادل والتراجيح ، فإنّها باحثة عن أحوال الدليل بعد إثبات دليليّته ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ البحث فيها أيضا عن الدليليّة ، ضرورة أنّه يبحث فيها عن أنّ الدليل عند تعارض الدليلين ما هو ، هل هو شيء ثالث ، أو الأقوى منهما أو الأرجح أو أحدهما ، فالبحث إنّما هو عن الدليليّة في هذا الحال ، وإذن فلا يبقى من المسائل ما كان مسألة ويلزم اندراج الجميع في جملة المبادي.
فأجاب بعضهم عن هذا الإشكال بأنّ المراد بالأدلّة التي جعلناها موضوعة هي ذواتها لا هي بوصف كونها أدلّة ، ولا يشكل بأنّ ذواتها متباينة بالحقيقة ، فإنّه يقال : نعم لكنّها مندرجة تحت جامع مثل عنوان الذوات التي يمكن البحث فيها عن الدليليّة ، وعلى هذا فيكون البحث عن الدليليّة بحثا عن عوارض هذه الذوات.
وحاول شيخنا المرتضى تصحيح الحال مع محفوظيّة كون الأدلّة بوصف أنّها أدلّة موضوعة للاصول بدون الحاجة إلى تجشّم أنّ المراد ذاتها بما عرفت من التوجيه.