وفيه أيضا بعد تسليمه أنّ هذا لا يتمّ في الاصول العمليّة ؛ فإنّ موضوع مسألة الاستصحاب ليس هو السنة وإن قلنا باعتباره من باب الأخبار ، لوضوح أنّه على هذا يكون البحث عن دلالة «لا تنقض» من أجل كونه مدركا للمسألة ، وإلّا فليس العنوان الذي هو المطرح في أوّل هذه المسألة أنّه : هل يكون لقوله عليهالسلام : «لا تنقض» الخ دلالة أولا؟ بل ما يعنون في صدر الباب أنّ الشكّ في الشيء بعد العلم بتحقّقه سابقا يوجب البناء على بقائه أولا.
ثمّ قد يجعل المدرك للأوّل دلالة هذا الخبر ، وقد يجعل العقل ، فالموضوع هو الشكّ الذي له حالة سابقة ، كيف ولو كان البحث عن دلالة «لا تنقض» موجبا لجعله بحثا عن أحوال السنّة لزم دخول تمام مسائل الفقه ، فإنّها أيضا مشتملة على البحث عن دلالة الأدلّة ، وكذلك الكلام في سائر الاصول العمليّة.
وحينئذ نقول : قد عرّف الفقه بأنّه العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة ، وجعل موضوعه فعل المكلّف ، وأنت خبير بأنّه يمكن جعل مسألة الاستصحاب من هذا القبيل ، فإنّ البحث فيه عن حكم شرعي مأخوذ عن الأدلّة التفصيليّة وهو وجوب البناء على الحالة السابقة وعدمه ، وموضوعه فعل المكلّف وهو البناء على الحالة السابقة. بل يمكن ذلك أيضا في حجيّة الأمارات وحجيّة الظواهر ، فإنّ البحث عن حجيّة خبر الواحد مثلا ، بناء على أنّ الحجيّة ليست أمرا آخر وراء وجوب العمل على طبق خبر الواحد بحث عن حكم شرعي ، وموضوعه عمل المكلّف ، وهكذا حجيّة الظواهر.
ونحن نذكر أوّلا ما هو وجه التمييز والفرق بين علمي الاصول والفقه ثمّ نشير إلى ما هو الموضوع لهذا العلم ، فنقول : لا إشكال أنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما واقعيّا ثابتا في اللوح يعبّر عنها بالأحكام الواقعيّة الأوّليّة ، وهي مطلوبة بنفسها وليس ما وراءها حكم آخر يكون الغرض من جعلها ملاحظة ذاك الحكم ، وإنّما الغرض من جعلها نفسها ، مثل حرمة الخمر ووجوب الصلاة ، فالشارع جعل حرمة