الخمر لأجل نفسه والمفاسد الكامنة في الخمر ، وكذا جعل وجوب الصلاة لأجل نفسها والمصالح الكامنة في الصلاة ، لا أن كان مطلوبه وملحوظه في جعلهما حكما آخر ورائهما.
ثمّ تبيّن حال المكلّف بالنسبة إلى هذه الأحكام يحتاج إلى مقدّمات مثل النحو والصرف واللغة وحجيّة خبر الواحد ، وغير ذلك ، فإنّ المكلّف في طريق استكشاف تلك الأحكام يحتاج إلى العلوم الثلاثة لفهم معانى ألفاظ الكتاب والسنّة ، وكذلك يحتاج إلى مقدّمات أخر ، فإنّه قد لا يظفر بشيء في طريق استكشاف الواقع ويبقى في الشكّ والتحيّر فيحتاج إلى قواعد من الشرع أو العقل تبيّن حاله عند الشكّ والتحيّر.
وعلى هذا فكلّ مسألة متى بلغنا بعد إمعان النظر فيها وبذل الوسع إلى نتيجة تكون هذه النتيجة حكما شرعيّا وليس مجعولا إلّا بملاحظة نفسه لا بملاحظة شيء آخر فهي مسألة فقهيّة ، مثل قاعدة كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فإنّه قاعدة مطلوبة لنفسها وليس المطلوب منها كشف الحال بالنسبة إلى حكم آخر ورائه.
وكلّ مسألة وصلنا بعد طيّ طريق الاحتجاج والاستدلال فيها إلى نتيجة هي مجعولة بلحاظ حكم وراءه لا لأجل نفسه ، فهي مسألة اصوليّة مثل مسألة حجيّة خبر الواحد ، فإنّا وإن قلنا بأنّ الحجّة ليست إلّا وجوب العمل ، لكن لا إشكال أنّه ليس مجعولا على حذو وجوب الصلاة وكون نفسه عملا مطلوبا للشارع ، بل هنا واقع محجوب مستور تحت الحجاب ، وهذا الخبر إمّا مطابق له ، وإمّا مخالف ، فالشارع جعل هذا الوجوب ملاحظة لحال ذاك الواقع المستور ، فإن طابقه يكون التارك له مستحقّا للعقاب ولا عذر له في ترك الواقع ، وإن خالفه يكون العامل به معذورا على ترك الواقع.
وكذلك الاستصحاب ، فإنّ البناء على الحالة السابقة ليس له عند الشارع مطلوبيّة نفسيّة ، وإنّما جعله واجبا على المكلّف إمّا لسقوط عذره بالنسبة إلى الواقع