لو ترك العمل مع الموافقة ، أو كونه معذورا لو عمل مع المخالفة ، وكذلك البراءة في الشك بعد الفحص ، فإنّها أيضا مجعولة لأجل الأحكام الواقعيّة وسقوطها عن المكلّف على تقدير الثبوت.
ومن هنا يعلم عدم تماميّة ما ذكره شيخنا المرتضى قدسسره في مسألة الاستصحاب في مقام تعيين المعيار لكون المسألة اصوليّة أو فقهيّة ، من أنّه إن كانت ثمرة المسألة نافعة بحال المجتهد والمقلّد على السواء فالمسألة فقهيّة ، وإن لم ينفع ثمرتها إلّا للمجتهد فهي اصوليّة ، مثلا حجيّة خبر الواحد لا ينفع للمقلّد إلّا بواسطة التقليد عن المجتهد ، وليس له العمل به بلا واسطة ، كما هو الحال في حرمة الخمر إذا تلقّاها من المجتهد ، فإنّك تعلم أنّ هذا ليس معيارا ، فإنّ القاعدة المتقدّمة أعني قولنا : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، لا إشكال في كونها قاعدة فقهيّة ، ومع ذلك لا يمكن رجوع المقلّد إليها ، بل هي مرجع للمجتهد لا غير ، لأنّه متمكّن من تشخيص صغراها لا غير.
ثمّ نقول في مقام تشخيص الموضوع : إنّ بعض مقدّمات استكشاف الواقع قد دوّنوه في علوم آخر مثل مسائل النحو والصرف واللغة ، فإنّهم ـ شكر الله مساعيهم ـ وإن دوّنوها لأجل غرض آخر ، لكن يكفي لمهمّنا ، فبقي أشياء أخر نحتاج إليها في تحصيل هذا الغرض ، فهي دوّنت في هذا العلم وسميّت بالاصول ، وهذه المسائل لها موضوعات شتّى ، وحينئذ لا داعي لنا إلى جعل الموضوع شيئا واحدا ، بل نجعل هذه المتشتتات موضوعا للاصول ، وبينها جامع لا محالة على ما تقرّر في المعقول من عدم إمكان انتهاء غرض واحد ونتيجة واحدة إلى أشياء متعدّدة ، ولسنا بصدد تعيين الإسم لهذا الجامع.
ومن هنا علمت أنّ تمايز العلوم ليس بتمايز الموضوعات ، كما أنّ وحدتها لا تكون بوحدتها ، ألا ترى أنّ علمي النحو والصرف علمان ومع ذلك يكون لهما موضوع واحد وهو الكلمة والكلام.