فإن قلت : قد جعلوا موضوع الأوّل هما من حيث الإعراب والبناء ، وموضوع الآخر هما من حيث الصحّة والاعتلال تحفّظا لتلك القاعدة.
قلت : لا إشكال في أنّ الإعراب والبناء من مسائل النحو ، وكذا الصحّة والاعتلال من مسائل الصرف ، فكيف يجعل ما هو من المسائل داخلا في الموضوع؟ فالتمايز ليس إلّا بتمايز الغرضين ، فالمسائل المدوّنة لأجل غرض واحد يكون علما واحدا وإن كان موضوعها متعدّدا ، والمسائل المتعلّقة بموضوع واحد يعدّ علمين إذا كان تدوينها لغرضين ، فعلم أنّ في مسألتنا لا حاجة إلى جعل الموضوع ذات الأدلّة ليصير البحث عن الدليليّة بحثا عن أحوال الدليل ، ولا إلى جعل الموضوع هو السنّة الواقعيّة ، بل الموضوع خبر الواحد.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه قد اختلف في حجيّة خبر الواحد ، فالمنقول عن السيّد المرتضى والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدمها ، والمشهور على الحجيّة.
واستدلّ للمانعين بالأدلّة الثلاثة ، أمّا الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بغير العلم والظن ، والتعليل الواقع في آية النبأ ، حيث يستفاد منه النهي عن كلّ ما يوجب خوف الوقوع في خلاف الواقع وفي الندم ، وهو موجود في كلّ ما ليس بعلم.
وأمّا السنّة فأخبار كثيرة بالغة حد التواتر الإجمالي الناهية عن العمل بما لا يوافق الكتاب ، وما خالفه ، وما ليس له شاهد أو شاهدان في الكتاب أو السنّة المعلومة ، فيعلم منها المنع عن العمل بالخبر المجرّد عن القرينة.
وأمّا الإجماع فقد ادّعاه سيّدنا المرتضى حتى أنّه جعل بطلان العمل بخبر الواحد معلوما من مذهب الشيعة كمعلوميّة بطلان القياس.
والجواب أمّا عن الآيات الناهية عن العمل بالظن وما عدى العلم فهو أنّ هذه الآيات ليست إلّا عمومات ، والأدلّة التي نقيمها على الحجيّة مخصّصة لها ، بل نقول : إنّ تلك الأدلّة حاكمة على هذه الآيات ، فإنّ الخبر بعد ما صار حجّة لا يكون العمل