غاية الأمر أنّ السبب صار اتّفاقا هو المركّب من الإيجاب والقبول ، فلا ينشأ المبادلة المقيّدة بحصولها من هذا السبب حتّى يشكل بأنّه مع العلم بذلك كيف يمكن إنشائه بمجرّد الإيجاب، فهو قاصد لإنشاء نفس المبادلة ، ويكون حاصله في نظره الإنشائي بمجرّد إنشائه، فيرى العمل البيعي حاصلا بتمامه من ناحيته فقط وإن كان ليس فردا للمبادلة بنظر العرف والشرع ، فهو نظير الإيجاب الصادر من السائل ؛ فإنّه ينشئه ويكون متحقّقا بنظره وإن كان تحقّقه بنظر العرف موقوفا على أمر غير حاصل في حقّه ، وبالجملة فهذا يرجع إلى الاختلاف المصداقي في مفهوم المبادلة ، فكما أنّ الغاصب يرى بيعه بنظره التنزيلي مبادلة وإن كان بنظره العرفي ليس كذلك ، فكذا البائع أيضا يرى مصداق المبادلة موجودا بمجرّد الإيجاب بنظره الإنشائي وإن كان ليس بموجود بنظره العرفي.
امّا بيان عدم المنافاة فيحتاج إلى تقديم مقدمتين :
الاولى : لا شكّ أنّ بعض المفاهيم العرفيّة لا إجمال فيها أصلا ومع ذلك قد يقع الخلاف بينهم في تعيين مصاديقه كمفهوم البيع ، فإنّه عند الجميع هو المبادلة المذكورة ، لكن يمكن أن يكون هذا المفهوم حاصلا عند قوم بمجرّد المصافقة ويكون ذلك عند آخرين غير كاف في تحقّقه ، فهذا ليس من باب الاختلاف في مفهوم البيع بل في أنّ مصداقه عقيب هذا الفعل موجود أم لا ، فكما يمكن ذلك في حقّ العرف بعضهم مع بعض ، فكذلك يمكن بين العرف والشرع بأن يكون مفهوم مبيّنا عند كليهما ووقع الخلاف بينهما في مصداقه، فحكم العرف بكون شيء مصداقا لهذا المفهوم ، ولا يكون مصداقا بنظر الشرع كما في مفهوم الباطل ؛ فإنّه مفهوم واحد بين العرف والشرع ، لكن أكل المارّة يكون من أفراده بنظر العرف وليس كذلك عند الشرع ، ويمكن العكس بأن يكون الشيء عند الشرع مصداقا دون العرف كما في الأكل المذكور ، فإنّه مصداق لعنوان الحقّ عند الشرع دون العرف.
الثانية : أنّه لا بدّ أن يتعلّق الحكم في الخطابات الشرعيّة بتوسّط العنوان بالأفراد العرفيّة لا على وجه التقييد بل بأن ينزّل الشارع نفسه بمنزلة العرف و