الوقوع في الندم لا يجوز قبل التبيّن ، ولا شكّ أنّ هذا ينطبق على العمل بخبر العادل الغير المفيد للعلم فإنّه إقدام عن جهل ، ويكون في معرض الوقوع في مخالفة الواقع والندم ، فيكون ممنوعا بمقتضى التعليل ، فإنّ الحكم المعلّل يتبع العلّة عموما وخصوصا ، فربّما تكون العلّة مخصّصة للمورد ، وربّما تكون معمّمة له ، وثالثة تكون مخصّصة من جهة ومعمّمة من اخرى.
ألا ترى أنّ قول القائل : لا تشرب الخمر لأنّه مسكر يفيد حرمة كلّ مسكر وإن كان الموضوع في القضيّة خصوص الخمر ، وقول القائل : لا تأكل الرّمان لأنّه حامض مخصّص من جهة إخراج الفرد الغير الحامض من الرّمان ، ومعمّم من جهة إدخال الفرد الحامض من غير الرّمان.
لا يقال : إنّ التعليل عام يشمل كلّ عمل صادر عن جهل ، ولكنّ المفهوم أخصّ منه مطلقا ، لاختصاصه بخبر العادل الغير العلمي ، وعدم اشتماله الخبر العادل العلمي ، فيلزم تخصيص عموم التعليل بالمفهوم ، فيكون المحصّل وجوب التبيّن في كلّ إقدام عن جهالة إلّا في العمل بخبر العادل.
لأنّا نقول : ليس المناط في التقديم مجرّد كون أحد الدليلين أخصّ ، بل الوجه في تقديم الأخصّ إمّا كونه نصّا أو أظهر ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن النصّ أو الأظهر وحفظا للظاهر وبين عكسه ، ولا شكّ في تعيّن العكس كما في قولك : أكرم العلماء ، وقولك : لا تكرم زيدا العالم ، فإنّ الثاني نصّ في حرمة إكرام الزيد ، والأوّل ظاهر في وجوبه.
وأمّا هنا فالأمر دائر بين طرح ظهور التعليل في العموم وحفظ ظهور القضيّة في المفهوم وبين العكس ، فالتعارض واقع بين الظهورين.
وبعبارة اخرى : إنّما نعمل بالخاص لأنّ في العمل به عملا بكلا الدليلين ؛ لأنّ فيه العمل بالعام في بعض أفراده ، بخلاف العمل بالعام حيث يلزم منه طرح الخاص بالمرّة ، وليس العمل بالعام هنا إلّا على نحو العمل بالخاص من حيث كون كلّ منهما