الأوّل : أنّ معنى كلمة «لعلّ» هو الطلب مع الرجاء للحصول ، واحتمال عدم الحصول وقيد الرجاء غير ممكن في البارى تعالى فينسلخ عنه ويبقى الطلب المجرّد ، وبعد ذلك يصير المحصّل أنّ الحذر مطلوب.
فنقول : إذا ثبت رجحان الحذر ثبت وجوبه لوجهين ، الأوّل : ما ذكره في المعالم من أنّ مقتضى الوجوب إمّا موجود وإمّا لا ، وبعبارة اخرى : إمّا تكون الحجّة تامّة وإمّا لا ، فعلى الأوّل يجب الحذر وعلى الثاني لا يحسن ، والثاني : الإجماع على أنّه متى ثبت هنا الرجحان ثبت الوجوب ، وذلك لأنّهم في هذا الباب بين من لا يجوّز العمل بخبر الواحد وبين من يوجبه ، ولا قائل بالرجحان وعدم الوجوب.
والوجه الثاني : أنّ الحذر وقع غاية للإنذار وهو واجب ؛ لأنّه وقع غاية للنفر وهو واجب بواسطة كلمة «لو لا» وغاية الواجب واجبة إذا كانت من فعل المكلّف.
والوجه الثالث : أنّ الإنذار واجب لما تقدّم ، ووجوبه مستلزم لوجوب الحذر والقبول؛ إذ لو لم يجب القبول لزم لغويّة وجوب الإنذار ، وبنظير ذلك استدلّوا في باب وجوب قبول شهادة المرأة بما في رحمها ، لثبوت النهي عن كتمان ما في أرحامهنّ في الآية ، فبهذه الوجوه الثلاثة ثبت وجوب الحذر والقبول عقيب الإنذار ، فيكون خبر الواحد في الأحكام الشرعيّة واجب القبول.
أقول : أمّا ما ذكر في الوجه الأوّل من انسلاخ لفظة «لعلّ» عن معنى الترجّي فمبنيّ على كون مثل هذه الكلمة من هيئة الأمر ونحوها حقيقة في الصفات الموجودة في النفس كالترجّي الحقيقي والإرادة الحقيقيّة ، وأمّا على قول من يقول بأنّ تلك الهيئات والألفاظ حقيقة في المعنى الذي يوجدها تلك الألفاظ ، وبعبارة اخرى : هيئة الأمر موضوعة للطلب الإيقاعي دون الطلب الواقعي ، ولفظة «لعلّ» موضوعة للترجّي الإيقاعي دون الواقعي ، فهي أبدا مستعملة في معناها الحقيقي الإيقاعي ، والاختلاف إنّما هو في الدواعي، فقد يكون إيقاع هذا المعنى بداعي الوصف الواقعي ، وقد يكون بداع آخر.