فحينئذ لا يلزم الانسلاخ لإمكان تمشّي الترجّي الإيقاعي في حقّ الباري ؛ لعدم منافاة إيقاع هذا المعنى مع العلم بالحصول أو عدم الحصول ، بخلاف القول الأوّل أعني كون هذه الألفاظ كواشف عن الصفات المتحقّقة في النفس دون كونها موجدة لمعانيها ـ كما قوّيناه ـ غاية الأمر أنّ الصفة القائمة بالنفس المحكيّة بهذه الألفاظ قد تكون حاصلة عن مصلحة في المتعلّق ، وقد تكون ناشئة عن المصلحة في نفسها يعني يوجدها الإنسان لمصلحة فيها ، فإنّه كما أنّ الترجّي الحقيقي الناشئ من المصلحة في المتعلّق غير ممكن في حقّ الباري لابتنائه على الشكّ الممتنع في حقّه تعالى ، كذلك ما يوجد لأجل المصلحة في نفسه ، فإنّه صفة قائمة بانفسنا ، ولو قلنا به في حقّه تعالى لزم كونه تعالى محلا لهذه الصفة الإيجاديّة وقيامها بذاته تعالى وهو محال.
ولكن يمكن حفظ المعنى الحقيقي لهذه اللفظة وأمثالها إذا وقعت في كلامه تعالى على هذا القول أيضا بأن يقال : ربّما يكون المتكلّم عالما وينزّل نفسه منزلة الشاكّ فيستفهم ، فحينئذ يستعمل كلمة الاستفهام في كلامه في معناه ، كذلك ربّما ينزّل من هو عالم بحصول أمر نفسه منزلة الشاكّ بحصول هذا الأمر المتوقّع لحصوله ، فيستعمل لفظة «لعلّ» فتقع اللفظة في كلامه مستعملة في معناها الحقيقي من دون حاجة إلى تجريد وانسلاخ.
وبالجملة ، بحسب مقام المحاورة والمكالمة يمكن أمثال ذلك في حقّه تعالى أيضا ، والأمر في ذلك سهل ، ولعلّ من هذا القبيل كلمة «لعلّ» فيما إذا كان المقصود إلقاء التّرجي وإبدائه للمخاطب بدون أن يكون الغرض إظهار ترجّي نفس المتكلّم كما في قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).
وكيف كان فالحق عدم جواز الاستدلال بالآية لحجيّة الخبر (١) ، والوجوه
__________________
(١) الأولى في ردّ التمسّك بالآية أن يقال : مفاد الآية وجوب الإنذار ومطلوبيّة الحذر ، لكنّ الحذر عبارة عن الخوف النفساني لا العمل الأركاني ، فإنّه يحصل للإنسان عقيب ـ