المذكورة كلّها مخدوشة ، أمّا توجيه الملازمة بين رجحان الحذر عقيب الإنذار وبين وجوبه بما ذكره في المعالم ، فلأنّه إنّما يتمّ بالنظر إلى العقاب ؛ إذ هو إمّا معلوم الاستحقاق فيجب الحذر ، وإمّا غير معلوم فلا يحسن ، للعلم بعدمه بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، فإنذار المنذر إمّا حجّة فيجب الحذر ، وإمّا لا فلا يحسن ، ولكنّه بالنظر إلى المصلحة والمفسدة غير تامّ (١) ؛ إذ يمكن فرض الرجحان بدون الوجوب للحذر عن فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة الكامنتين في الفعل ، فيحسن لأجل ذلك الاحتياط والتحذّر وإن كان لا يحسن من حيث العقوبة.
وأمّا توجيه الملازمة بالإجماع المركّب والوجه الثاني ـ أعني إثبات وجوب الحذر بكونه غاية للانذار الواقع غاية للنفر الواجب بقضيّة لفظة «لو لا» ـ والوجه الثالث اعني ـ إثبات الوجوب في الإنذار بما ذكروا في الحذر بلزوم اللغويّة ـ فالخدشة في الكلّ من جهتين.
الاولى : أنّ الآية إنّما تدلّ على المدّعى لو استفيد منها وجوب الحذر مطلقا ، سواء
__________________
ـ الوعظ والإنذار حالة الخوف ، ويكفي فيه مجرّد احتمال صدق المنذر ، فعند هذا الاحتمال والخوف يبعثه عقله نحو أحد الأمرين : إمّا الاحتياط ، أو الفحص والوصول إلى الواقع ، فالآية غير مرتبطة بمقام الحجيّة أصلا.
فإن قلت : الجاهل نفس جهله واحتماله يكفي في جريان حكم العقل في حقّه. قلت : فرق واضح بين الجاهل العامل أو الملتفت المغمور في الشهوات ، وبين من يعظه وينذره شخص عالم فقيه خبير بالمطالب ، وبالجملة إنكار ثمرة الإنذار حتّى في حقّ العالم فضلا عن الجاهل بمثابة إنكار البديهي. منه قدسسره الشريف.
(١) الإنصاف أنّ هذا الإشكال بعد تسليم أنّ المراد مطلوبيّة العمل بعد الحذر ولأجله غير وارد من وجهين ، الأوّل : أنّ الظاهر من الحذر في الآية هو الخوف عن العقوبة الاخرويّة ، والثاني : أنّ المصالح والمفاسد يختصّ فهمها بالأوحديّ من الناس ممّن يحكم عقله باستتباع الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلّقات ، وبعد الفهم أيضا يختصّ الارتداع عن الوقوع في ضررها بالأوحديّ من الأوحدي. منه قدسسره الشريف.