وجوب الحذر لو حصل العلم من الإنذار ، فكلّ فرد من الإنذار واجب على المنذر بالكسر، لكن لا يجب القبول على المنذر بالفتح إلّا عقيب خصوص الإنذار المفيد للعلم.
ثمّ إنّ شيخنا المرتضى قدسسره ـ بعد الغضّ عن الإشكالين السابقين وتسليم دلالة الآية على لزوم الحذر مطلقا سواء حصل العلم من قول المنذر أم لا ـ استشكل في دلالة الآية على حجيّة الخبر أيضا بما حاصله : أنّ الراوي ليس له الإنذار للمجتهد ؛ لابتنائه على فهم معنى ألفاظ الحديث ، فإنّ الإنذار إنّما هو بمعناها ، وربّما اختلف فهمه مع فهم المجتهد في ذلك ، ففهم هو الوجوب فلهذا أنذر ، والمجتهد يفهم عدم الوجوب فلا إنذار بحسب رأيه ، نعم له حقّ ذلك بالنسبة إلى من يكون رأيه متّبعا في حقّه كمقلّديه ؛ وأمّا المجتهد فليس للراوي إنذاره ممّا فهمه من معنى الرواية ، وإنّما يكون له بالنسبة إليه نقل ألفاظ الحديث فقط.
فالآية حيث إنّها مشتملة على وجوب الحذر عقيب الإنذار ، ووجوب قبوله مختصّة بإنذار المجتهد لمقلّديه فهي إنّما تدلّ على حجيّة الإنذار في مقام الفتوى ، ولا دلالة له لحجيّته في مقام الخبر والرواية ، فالاستدلال بها لوجوب التقليد أولى منه لوجوب تصديق الرواة.
قلت : قد عرفت أنّ مع عدم الإغماض عن الإشكالين لا دلالة للآية لحجيّة الإنذار أصلا لا في مقام الإفتاء ولا في مقام الإخبار ، وإنّما تفيد وجوب القبول في مقام حصول العلم ، وأمّا مع الغضّ عنهما فالإنصاف تماميّة دلالتها على حجيّة الخبر دون الإفتاء ، وذلك لأنّ الاجتهاد والتقليد قد حدثا في هذه الأزمنة بعد عدمهما في زمان حضور الإمام.
فحال الرواة في تلك الأزمنة كان كحال نقلة الفتاوى للمقلّدين في هذه الأزمنة ، فكما أنّه قد ينذر ناقل الفتوى للعوام كأن قال : قال العالم الفلاني : من شرب الخمر عوقب بكذا من دون مدخليّة رأي الناقل في ذلك أصلا ، كذلك في تلك الأزمنة