كان ناقل الأحكام عن الإمام بلفظه أو بالمعنى قد ينذر المنقول إليهم ، وكان الغالب تصديقهم له في فهم المعنى من دون إظهار مخالفة له في فهمه كما هو الحال في نقل الفتوى في زماننا.
والحاصل : كان همّ الرواة مصروفا بضبط المطالب والمعاني دون مجرّد الألفاظ ، وكان المهمّ في النقل أيضا نقل المطالب ، وكان تفقّههم ذلك ، والاختلاف في فهم المعاني كان كما هو كذلك الآن في غاية الندرة ، وعلى هذا فصدق الإنذار على نقل الراوي لا إشكال فيه ، هذا.
ويمكن أن يقال : إنّ ظاهر الآية وجوب الحذر عقيب الإنذار بطور الإطلاق وهو ينافي مع كونها في مقام الحجيّة على المجتهد الذي شأنه الفحص في سائر ما بيده من الأمارات والأدلّة ، وملاحظة وجود المعارض وعدمه ، وقوّته وعدمه ، ثمّ بعد اليأس عن المعارض الأقوى يحذر من قول المنذر ، وظاهر الآية أن لا يكون للمنذر بالفتح بعد الإنذار حالة منتظرة ، بل يتحذّر ويتخوّف بنفس الإنذار ويكون الإنذار علّة تامّة لحذره ، فالآية مناسبة بحال المستفتي والمفتي.
وإن شئت التوضيح فلاحظ منذرين أحدهما ينذر مقلّده والآخر ينذر المجتهد ، فالأوّل بمحض إنذاره يذهب مقلّده نحو العمل بلا مهلة ، وأمّا المجتهد فيقول : اصبر حتّى اراجع لأن أفهم هل في البين دليل أقوى أولا ، فعلى الثاني اتحذّر من قولك ، فأنصف من نفسك أيّهما ألصق وأنسب بالمدلوليّة للآية؟.
وحاصل الكلام أنّ الحذر أوّلا ليس هو العمل ، وثانيا ليس للآية إطلاق حتى في حال الشكّ ، وثالثا سلّمنا أنّ الحذر بمعنى العمل وأنّ للآية الإطلاق ، ولكن ليس في مقام التعبّد وإنّما الحكم متعلّق بنفس الواقع المنذر به ، وأين هو من التعبّد وجعل الإنذار حجّة في مقام الظاهر ، ورابعا سلّمنا أنّ الحذر بمعنى العمل ، والآية لها إطلاق وتكون بمقام التعبّد ، لكن ليس مرتبطا بجعل حجيّة الخبر وقول الراوي ، وإنّما ترتبط بحجيّة قول المفتي في حقّ المستفتي ، وذلك لأنّ استناد العمل في الأوّل إلى