فهم نفس المنذر بالفتح ، وفي الثاني أيضا وإن كان العمل يحتاج إلى الفهم ، ولكنّ الفهم فيه فهم مدّعى المنذر بالكسر ، وفي الأوّل يكون فهم مستنده ، وظاهر الآية أن يكون الحذر مستندا إلى الإنذار بلا واسطة شيء في ما بين العمل والإنذار.
والحاصل : في مقام الرواية الإنذار سبب لفهم المنذر ، وفهمه سبب لحذره ، ولكن في مقام الفتوى الإنذار سبب بلا واسطة للحذر ، غاية الأمر الالتفات شرط تأثيره ، ولعلّ مراد شيخنا المرتضى أيضا ذلك فراجع عبارته.
وبالجملة فالآية على هذا تدلّ على حجيّة الرواية مع الإنذار ، وتكون دالّة على الحجيّة بدونه بضميمة عدم القول بالفصل ، بمعنى أنّه تكون الآية دليلا فيما يشتمل على الوجوب أو التحريم ونفي غيره ممّا يشتمل على الإباحة أو الكراهة أو الاستحباب ، ويتمّ الحكم فيه بعدم القول بالفصل بين الأخبار.
ومن جملة الآيات آية الكتمان ، وهي قوله تعالى في سورة البقرة : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).
حيث دلت على حرمة الكتمان ووجوب إظهار الحق للناس ، ولو كان القبول غير لازم لزم اللغويّة.
وجوابه يظهر ممّا مرّ في آية النفر من خلوّ الآية عن التعبّد بقبول قول المظهر ، لسكوته عن أنّ وجوب القبول عقيبه يكون على نحو الإطلاق سواء حصل العلم أم لا ، وإنّما المقصود وجوب إظهار الحقّ ، ولعلّه كان وجوب القبول مشروطا بوضوح الحق والعلم به لكثرة مظهريه ، فأوجب الله على الآحاد الإظهار ليتّضح بسبب إظهاراتهم الحق ويصير معلوما للناس ، فيصير قبوله حينئذ واجبا ، وأيضا فما يحرم كتمانه ويجب إظهاره إنّما هو الحقّ الواقعى ، فالواجب قبوله أيضا هو الحقّ الواقعي ، فلا بدّ أوّلا من إحراز أنّ ما يظهره المظهر حقّ واقعي ثمّ الحكم بوجوبه ، وهو لا يتمّ إلّا مع حصول العلم من إظهاره ، وأمّا بدونه فيكون من الشبهة المصداقيّة.