المقاومة للخاص بهذا الوصف مع أدنى دليل ، مثلا لو ورد : أكرم العلماء ، وورد : لا تكرم زيدا ما دام لم يقم دليل على وجوب إكرامه فهل ترى يقدّمون هذا الخاص على العام ، بل لا شكّ في أنّهم عاملون بالعام ؛ لأنّه دليل ، وموضوع الخاص مقيّد بعدم الدليل ، فيكفي في رفع اليد عنه وجود أدنى دليل.
إذا تقرّر هذا فنقول : هكذا الحال في ما نحن فيه ، فإنّ الأدلّة الناهية عن العمل بغير العلم عمومات شاملة بعمومها للاطمئنان الحاصل من قول الثقة وبناء العقلاء وإن كان ثابتا في خصوص هذا الاطمئنان ، إلّا أنّ حجيّة ما يثبت حجيّته ببناء العقلاء مقيّد بعدم قيام دليل على منعه ، فإذا دلّ عليه عموم كان له الورود على بناء العقلاء.
وهنا جواب آخر للدور تعرّضه شيخنا في الكتاب ، وهو أنّ توقّف الردع على عدم الحجيّة مسلم ، لكن توقّف عدم الحجيّة على ثبوت الردع ممنوع ، بل يكفي فيه عدم ثبوت الإمضاء قبل ثبوت حال الآية في الردع وعدمه ، وفيه أنّ الموقوف عليه عدم الحجيّة إنّما هو ثبوت الردع ، ولا يكفي عدم ثبوت الإمضاء ؛ لأنّه معه يستكشف الإمضاء لئلّا يلزم نقض الغرض.
هذا والذي يمكن الاستظهار به لدفع رادعيّة العمومات هو أن يقال : إنّ المرتكزات العرفيّة تكون بحيث يغفل عن كون حجيّتها مقيّدة بعدم منع الشرع نوع النفوس ، فالارتكاز مانع عن خطور خلافه في ذهن النوع ، فالعبد كما يعامل مع مولاه في أحكامه وأوامره بالعمل فيها على الاطمئنان الحاصل من قول القائل على حسب فطرته كذلك هو باق على مقتضى هذه الفطرة لو صار عبدا لمولى آخر ، من دون أن يخطر بباله أن تكون طريقة هذا المولى في امتثال أوامره غير طريقة المولى السابق.
فكذا الحال في معاملة العبيد مع الموالي الحقيقيّة ، يعني لا يخطر ببال العامّة أنّه يريد منهم أمرا جديدا وطريقة مخترعة غير ما هم مجبولون عليه ، فلا يرضى بالعمل