بالاطمئنان من قول القائل ، بل لا يرضى إلّا بترتيب الأثر على العلم ، وكذلك لا يخطر ببالهم أنّ حجيّة هذا الارتكازي موقوف على عدم منع المولى ، فهم عاملون على هذا التقييد صغرى وكبرى ، فالحاصل عندهم هو الحجيّة التنجيزيّة الإطلاقيّة.
فلهذا لو ورد من الشارع النهي عن العمل بالظنّ ينصرف نظرهم إلى غير هذا الاطمئنان فيقطعون أنّه بمنزلة العلم وإن كان غير علم ، بل ويعمّمون الحكم المعلّق على العلم بالنسبة إلى هذا الاطمئنان مثل عدم نقض اليقين إلّا باليقين ، فالنقض بهذا الاطمئنان يكون في نظرهم نقضا باليقين ، وبالجملة ، لا يدخل في ذهنهم من دليل مثبت للحكم على الظنّ هذا الفرد ، ويدخل في ذهنهم من الدليل الدال على الحكم في العلم هذا الفرد ، والسبب لذلك هو الارتكاز والمجبوليّة المانعة عن دخول مضادّه في أذهانهم ، بمعنى أنّهم مع وقوع نظرهم إلى هذا العموم والإطلاق الصادرين من المولى لا يحتملون أنّ هذا الطريق الذي يمشونه من العمل بمقتضى الاطمئنان لعلّه كان على خلاف الواقع وغير مرضيّ لمواليهم وكان طريقة المولى طريقة اخرى.
ويمكن أن يقال : إنّ صورة المعارضة الصورية أيضا ينقدح في ذهنهم ، لكنّه مقرون بالقطع بالتخصيص ، وبالجملة ، لا يذهب عنهم هذا العموم قطعهم بعدم قابليّة طريقتهم للردع ، وبعبارة اخرى : لا يذهب قطعهم بالكبرى ، والاحتمال الصوري إنّما يتعلّق بمقام الصغرى ، فهم يرون الإرادة الصوريّة المستفادة من العموم قد تعلّق بأمر لا يقبل الإرادة الجديّة ، فهو عام عندهم قطعي التخصيص نظير أكرم العلماء مع القطع بلا تكرم زيدا ، والفرق بين هذا وسابقه أنّ الأوّل دعوى الانصراف وهذا دعوى التخصيص.
هذا هو الحال في عامّة الناس المتّصفين بالغفلة عن تصوّر خلاف مرتكزهم ، وأمّا الملتفتون وهم الشاذ القليل من الناس فهذه الطريقة وإن كان ليست في نفسها حجّة لهم لاحتمالهم الخطاء في حقّهم لعدم كونهم معصومين ، ولكن يثبت الحجيّة عند تحقّق الارتكاز عندهم أيضا بالبرهان.