وهو أن يقال : لو كان للشارع طريقة جديدة غير ما الناس مجبولون عليه ، ويكون خلافه مغفولا عنه لهم ، والنهي عن العمل بالظنّ على وجه العموم منصرفا عندهم عمّا ارتكز حجيّته عندهم ، أو مخصّصا قطعيا بغيره ، لكان يجب على الشارع التنصيص على إظهار أنّه مريد منهم خلاف هذا الطريق المعمول ، كما هو المشاهد في المرتكزات في الجاهليّة التي خطّأها الشارع بالإبلاغات الصريحة الأكيدة والإيعادات بأنواع العذاب ، فإنّ صرف الأذهان عن ما ارتكز فيها لا يحصل بغير هذا الوجه ولا يمكن الاكتفاء في تبليغه بعموم وإطلاق ، فيلزم على تقدير الاكتفاء في بيانه بهما إغراء عامّة الناس بالقبيح.
والحاصل : لو كان احتمال أن تكون الطريقة المجبول عليها من العمل على وفق الاطمئنان الحاصل من قول المخبر غير مرضيّة لدى الشرع وأنّه يحتاج إلى إحراز ذلك حاصلا لعامّة الناس ، كان أدلّة النهي عن العمل بالظنّ صالحة للردع ومحكّمة ؛ إذ المفروض أنّ كلّا من آحاد النوع يحتمل عدم إمضاء الشرع للطريقة التي يمشي عليها في الامور العادية ، ومن المعلوم أنّ هذه الطريقة إنّما تصير حجّة في الامور الشرعيّة لو لم ترد تخطئة من الشرع ، فإذا ورد العمومات الناهية عن العمل بالظنّ كان لها الورود وكانت ردعا وتخطئة لهذه الطريقة كما ذكرنا نظيره.
ولكنّ الذي سهّل الخطب أنّ الاحتمال غير حاصل إلّا للشاذ القليل من الأشخاص، فيقوم عند هذا الأشخاص ـ المحتملين ـ البرهان على حجيّة الطريقة المألوفة بين أهل العرف.
وحاصله أنّ هذه العمومات غير صالحة للردع لصرف أذهان العامّة منها إلى غير مورد ارتكازهم ، ويثبت عدم الرادع من جهة اخرى بلزوم الإغراء بالجهل على تقديره ؛ إذ لو كان واقعا غير راض بالطريقة المألوفة المأنوسة كان الواجب عليه إقامة الدليل بحدّ لا يبقى لأحد تشكيك من كثرة التصريحات المحفوفة بالإنذارات والبيانات المكتنفة بالوعيدات ، فعدم الرادع في مقام الإثبات يصير دليلا على عدمه