في مقام الثبوت ، واحتمال نصب هذا الدليل وعدم وصوله إلينا مقطوع العدم ، فإنّه لا بدّ في هذه الامور إقامة النصّ الصريح على وجه تبلغ صيته جميع العالمين ، فإذا لم يثبت هذا الدليل قطعنا بأنّه ليس طالبا لهذا الأمر.
ومن هنا نقول في باب اعتبار نيّة الوجه والتمييز في العبادة أنّ لنا رفع هذين القيدين وإن قلنا بعدم جريان البراءة فيهما كما يقوله شيخنا المرتضى بهذا الطريق ، فنقول : إنّ اعتبار الوجه والتمييز مغفول عنه للعامّة ولا يخطر احتماله ببالهم ، وإنّما يحتمله بعض أهل الدقّة من العلماء ، وما كان شأنه هكذا فلو طلبه الشارع كان الواجب عليه إقامة مقدّمات تبليغه من التنصيص الغير القابل للتشكيك عليه ، ولو كان لبان ، وحيث ما أقام نقطع بأنّه ما أراد ، وبالجملة ، يصحّ دفع الدور المذكور بأن نقول : سلّمنا توقّف الحجيّة على عدم الرادع ، ولكن نجعل العدم في مرحلة الإثبات دليلا على العدم في مرحلة الثبوت بمعونة البرهان.
وبعبارة اخرى : الحجيّة الشرعيّة لدى الملتفت موقوفة على عدم الرادعيّة لتلك العمومات ، وهي موقوفة على الحجيّة الارتكازيّة ، وهذا بخلاف من يدّعي أنّ العقلاء مع كونهم محتملين عدم رضى الشارع بطريقتهم وعدم كونهم غافلين عنه يبنون على رضائه به ما لم يثبت ردعه عنه ، وهذا بمنزلة أصل عندهم ، حيث إنّ عند الشكّ في وجود الردع يبنون على عدمه ، فإنّه وإن كان لا يلزم الدور ببيان تقدّم ، لكن يتمّ الرادعيّة للعمومات على هذا التقدير لما مرّ من عدم المعارضة بين المقتضي التنجيزي وهو العمومات والتعليقي وهو البناء ، بل اللازم تقديم التنجيزي ؛ لوروده على التعليقي.
وأمّا الدليل العقلي فهو على قسمين ، قسم يفيد حجيّة خصوص الخبر ، والآخر يفيد حجيّة الظنّ في الجملة ، ومن أفراده الخبر ، غاية الأمر يدور الحجيّة حينئذ مدار حصول الظنّ الفعلي منه. أمّا الأوّل : فتقريره من وجوه :
الأوّل : وهو الذي قال شيخنا المرتضى : وهو الذي اعتمدته سابقا ، وهو أنّا