الراجح فاختاره الفاعل لم يصدر عنه قبيح ، فمعنى تجويزه ترجيح المرجوح على الراجح إنكاره الحسن والقبح ، وإلّا فتجويزه بالمعنى الأوّل لا يمكن صدوره من أحد ولو كان في أدنى مرتبة الجهالة وقصور الإدراك.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن أراد المستدل من الكبرى المذكورة في كلامه ترجيح المرجوح على الراجح بالمعنى الذي يكون محالا ، فالجواب أنّ الكبرى وإن كانت مسلّمة إلّا أنّ الصغرى ممنوعة وهو لزوم الترجيح بهذا المعنى من الأخذ بالموهوم ، وذلك لأنّ الظانّ بوجوب شيء التارك له لا يختار جانب الترك إلّا لأجل كون هذا الطرف ملائما لنفسه وأوفق بغرضه النفساني من الآخر ، فترجيحه للموهوم ليس إلّا ترجيحا للراجح بحسب أغراضه النفسانيّة على المرجوح بحسبها ، بل ولا يمكن أن يتحقّق منه ترجيح المرجوح بحسب هذه الأغراض على الراجح بحسبها ؛ لما عرفت من كونه نقض غرض يمتنع صدوره من كلّ فاعل.
وإن أراد بالكبرى في كلامه ترجيح المرجوح على الراجح بالمعنى الذى يكون قبيحا فلا يتمّ الصغرى إلّا على تقدير تماميّة مقدّمة ، وهي أنّ المكلّف يكون بحكم العقل ملزما بتحصيل الواقع والتجسّس عنه مهما أمكن ، فإنّ الأنسب بهذا الغرض العقلائي أنّ يقدّم بعد تعذّر القطع مظنوناته على مشكوكاته وموهوماته ، ولو عكس كان ترجيحا للمرجوح على الراجح بحسب هذا الفرض ، ومع ذلك يحتاج إلى ضمّ هذه المقدّمة إلى سائر مقدّمات دليل الانسداد وبدون أحدها لا يتحقّق موضوع للكبرى ، فلا يكون دليلا آخر وراء دليل الانسداد.
وكذا الحال في الوجه الثالث المحكىّ عن السيد الطباطبائي قدسسره ، فإنّه ليس إلّا تعرّضا لبعض مقدّمات دليل الانسداد مع حذف بعضها الآخر ، فلا يصلح عدّه دليلا في قباله.
فعلم انحصار الدليل في الباب أعني لإثبات حجيّة مطلق الظنّ في