المتّبع حينئذ بعد عدم الدليل العقلي وتمحّض الدليل في الشرعي هو لسان هذا الدليل ، فإن أوجب علينا هذا الدليل التعبّدي إتيان خصوص المظنونات صار متعيّنا ، ولو أوجب خصوص الموهومات أو المشكوكات فكذلك ، ولو أحال الاختيار إلى أيدينا كان لنا الخيار فنختار ما شئنا وإن كان هو الموهومات أو المشكوكات.
فتحصّل أنّه لا محيص حينئذ من دعوى إجماع آخر على تعيين اختيار خصوص المظنونات على غيرها ، وبدونه لا يتمّ المطلوب ، ومعه تكون حجيّة الظنّ شرعيّة لا عقليّة ، وقد كان المقصود إثبات الحجيّة العقليّة.
وحاصل الكلام على هذا المبنى أنّ الرخصة في ترك الاحتياط الكلّي إذا ثبت من الشرع بأدلّة نفي الحرج ارتفع العلم الإجمالي عن البين ، فلا بدّ من أن يتمسّك بالإجماع على أنّ الشارع لا يرضى بترك مراعاة هذه التكاليف المحتملة مع كونها محتملة ، فيكشف من هذا الإجماع أنّ مجعول الشارع فيها إيجاب الاحتياط كما يستكشف ذلك في الشبهات البدوية في باب الدماء والفروج ، فيستشكل حينئذ أنّه لا دليل على أنّه جعل إيجاب الاحتياط في خصوص الطائفة المظنونات ، فلعلّه جعله في المشكوكات أو الموهومات ، فلا بدّ من دعوى إجماع آخر على أنّه جعله في خصوص الاولى.
اللهم إلّا أن يقال : إنّه يكفينا الإجماع الأوّل لكشف إيجاب الاحتياط في خصوص المظنونات بالتقريب الذي سننكره في ردّ إشكال شيخنا المرتضى على القائلين بالكشف ، وحاصله أنّه إذا كشف المقدّمات أنّ الشارع جعل لنا طريقا لامتثال الواقع فمن أين يكون هو الظنون؟ فإنّ الطريق المجعول للشارع لا بدّ أن يكون أقرب إلى الواقع بنظره لا بنظرنا ، ولهذا ترى طرقه المجعولة قد لا تكون مفيدة للظنّ الفعلي ، فلا يكون النتيجة حجيّة الظنّ.
وحاصل الردّ أنّا إذا علمنا أنّ الشارع عيّن لنا طريقا ولكن لم يبيّنه لنا تعيّن في الطريق الواصل إلينا وما هو الأقرب بنظرنا ، فلا تصير النتيجة على الكشف مهملة ،