المقدار الذي علم إجمالا به من التكليف ما ذا يكون قضيّة العلم الإجمالي بحسب حكم العقل في تنجيز هذا المقدار؟ فهذا العلم الإجمالي ينجّز على المكلّف الموافقة لهذا المقدار بطريق القطع وإلّا فبالظنّ ، أو ينجّز عليه عدم المخالفة لهذا المقدار قطعا وبعده ظنّا ، مثلا لو علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين فالتكليف المعلوم إجمالا واحد ، فهل يوجب عليه موافقة التكليف الواحد أو عدم مخالفة التكليف الواحد؟ وتظهر الثمرة في ما شرب أحدهما وترك الآخر فانكشف بعد ذلك كون كليهما نجسا.
فعلى الأوّل لا يستحقّ العقوبة ، فإنّ غرض الشارع قد حصل وهو موافقة «اجتنب» واحد ، فإنّه قد وافق تكليفا واحدا بالاجتناب وإن كان هو غير ملتفت إليه ، لكنّه في علم الله يكون كذلك ، نعم صدر عنه مخالفة تكليف واحد أيضا ، لكن لم يصحّ عقوبته عليها ، لعدم علمه إلّا بتكليف واحد.
وعلى الثاني يستحقّ العقوبة ، فإنّ المطلوب منه عدم مخالفة تكليف واحد ، ويصدق في هذا المثال أنّه خالف تكليفا واحدا ، والمفروض أنّ الحجّة بالنسبة إلى عدم مخالفة تكليف واحد كانت عليه تامّة.
فإن قلت : كما أنّه في صورة طلب المولى الموافقة الواحدة قد خرج عن العهدة باجتناب الإناء الواحد لكون المطلوب فردا منتشرا ونكرة يقبل الانطباق على كلّ طرف على نحو البدليّة ، كذلك لو كان المطلوب ترك المخالفة الواحدة على سبيل النكرة ، فقد خرج عن العهدة بواسطة تسليم مخالفة واحدة متروكة ، وأيضا فاللازم ممّا ذكرت اجتماع الموافقة والمخالفة بالنسبة إلى تكليف واحد في المثال ، فإنّك اعترفت بصدق الموافقة لتكليف واحد بلا عنوان ، ومع هذا اعترفت بصدق المخالفة ، فقد اجتمع الضدّان في أمر واحد.
قلت : ليست لنا قضيّة لفظيّة نتكلّم في صدق ألفاظها ، وبعبارة اخرى : ليس نزاعنا في صدق الإسم ، وإنّما النزاع في أمر عقلي ، وهو أنّ قضيّة العقل عند عرض المثال المذكور عليه كون هذا العبد عاصيا ومستحقّا للعقوبة ، أو متجرّيا وغير