بثبوت الطرق المجعولة بقدر الوفاء بالمعلومات الإجماليّة من التكاليف في ما وصل إلينا من الطرق والأمارات كان الأمر منحصرا في الطرق ويكون الخارج منها محلا للبراءة ، فلا همّ للمكلّف إلّا تحصيل الظنّ بالطريق ، ولا همّ له بتحصيل الظن بالواقع ؛ إذ ذلك قضيّة انحصار تكليفه في مؤدّى الطريق وتعيّن محلّ ابتلائه فيه.
ثمّ لا يخفى أنّ الإشكال الذي أوردناه على شيخنا المرتضى لا يرد على صاحب
__________________
ـ حجّة عليه ، كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين إجمالا وكان أحدهما واقعا نجسا والآخر طاهرا ، فإنّ العلم الإجمالي ينجّز تكليف «اجتنب» في شخص هذا الإناء ، ومع كون التكليف الواقعي متعدّدا يكون حجّة على المبهم ، كما إذا كان النجس في المثال كلا الإنائين ، فإنّه حجّة على الأحد المبهم ، لا على خصوص هذا ولا خصوص ذاك.
وحينئذ فنقول : إذا قام طريق على وجوب الجمعة مثلا وعلمنا إجمالا بوجوب واحد من الظهر والجمعة فهنا ثلاثة احتمالات ، أحدها : أن يكون كلّ من الظهر والجمعة في الواقع واجبا ، والثاني : أن يكون أحدهما واجبا دون الآخر ، وهذا أيضا ذو احتمالين أحدهما أن يكون هذا الواحد هو ذا الطريق ، والثاني أن يكون غيره.
فعلى التقدير الأوّل أي كون الواجب كلّا من الطرفين فالعلم حجّة على المبهم ، والطريق حجّة على الشخص ، فيكون المبهم متعيّنا في الشخص ، كما في العلم التفصيلي بعد العلم الإجمالي بعينه ، فكما أنّ العلم التفصيلي يعيّن مورد الإجمالي في الشخص فكذلك هنا الحجّة التفصيليّة وهو الطريق يعيّن موارد الحجّة الإجماليّة وهو العلم في الشخص ، فيصير الطرف الآخر مشكوكا بدويّا بلا حجّة.
وعلى التقدير الثاني أي كون الواجب هو ذا الطريق فالأمر واضح.
وعلى التقدير الثالث أي كون الواجب غير ذي الطريق فلا شبهة أنّ تنجيز العلم لذاك الواقع الموجود في غير ذي الطريق مبنيّ على خطاء الطريق ؛ إذ لو كان مصيبا فلا تنجيز كما عرفت ، فمعاملة تنجيز العلم لذاك الواقع معاملة الخطاء مع الطريق ، وهذا مناف مع دليل حجيّة هذا الطريق ، فإنّه قد تكفّل هذا الدليل خطاء هذا الطريق وجعله في حكم العدم ، فمقابلة الخطاء مع هذا لا يجوز للشارع الذي هو قد ألغى خطاء الطريق وجعله بمنزلة العدم ، فتدبّر جيّدا. منه قدسسره الشريف.