المقدّمات العقليّة كاشفة عن كون الظنّ حجّة بحكم الشرع في حال الانسداد ، فطريق الاستكشاف هو العقل ، وإنّما المستكشف به هو الحكم الشرعي ، فحجيّة الظنّ حال الانسداد حكم شرعي استكشف بطريق عقلي ، والمراد بالثاني أنّ العقل له الحكومة في هذا الباب على الاستقلال ، فالحكم عقلي دون أن تكون الحكومة للشرع وكاشفه العقل ، بل الحكومة لنفس العقل بالاستقلال ، وذلك لأنّ المقام باب الإطاعة والامتثال ، والحاكم في هذا الباب هو العقل دون الشرع فكما أنّ الحاكم بوجوب الموافقة القطعيّة عند إمكانها وانفتاح بابها هو العقل ولم يكن لحكم الشرع فيه مجال ، فكذا الحاكم بوجوب الطاعة الظنيّة مع تعذّر القطعيّة أيضا هو العقل ، ولا مجال لحكم الشرع فيها.
وحينئذ فلا مجال لدعوى أنّه إذا ثبت حكم العقل ثبت حكم الشرع بقاعدة الملازمة بين الحكمين ، فتكون الحجيّة على هذا أيضا شرعيّة مستكشفة بالعقل.
لأنّا نقول : هذا الموضوع ـ أعني الاطاعة ـ كالمعصية غير قابل لحكم الشرع ، والملازمة إنّما هي في المورد القابل له ، ووجه عدم القبول أنّ الغرض من الحكم المولوي هو إيجاد الباعث أو الزاجر بالنسبة إلى النوع ، ولهذا يقال : إنّ حكم الشرع في موارد حكم العقل لطف ، وهذه العلّة منتفية في موضوع الإطاعة ، فإنّ اللطف قد تمّ بالأمر الأوّل ، فإذا قال : «صلّ» فلا حاجة إلى أمر ثانوي بإطاعة الأمر ، فيكون هذا الأمر الثاني لغوا ، لعدم مدخليّته في اللطف ، فيمتنع صدوره من الحكيم تعالى.
__________________
ـ امتثال الواقعيات في حال الانسداد ، وهذا ما تسالموا على عدم قابليّته للجعل ، ولو ورد في لسان الشرع يحمل على الإرشاد ، والثاني أن يتصرّف الشرع في موضوع حكم العقل ويجعله أوسع أو أضيق ، فكما أنّ الأوامر والنواهي الواقعيّة موضوعات لاستقلال العقل فيها بوجوب الامتثال ، كذلك عند الانسداد يجعل أمرا ونهيا في عرض تلك الأوامر والنواهي حتّى يصير موضوعا لذلك الحكم العقلي في عرضها ، وهذا لا شبهة لأحد في إمكانه ، وما وقع البحث في المقام في وجوده وعدمه هو هذا. منه قدسسره الشريف