فإن قلت : قد قرّر في محلّه أنّ العلم بالحكم متى حصل لا يمكن جعل آخر في موضوعه من الشارع لا إثباتا ولا نفيا ، وبعبارة اخرى : حجيّة العلم عقليّة وليس بتعبديّة وإلّا لزم التسلسل وسائر المحاذير المذكورة في محلّه ، خلافا للظنّ ؛ فإنّ حجيّته محتاجة إلى التعبّد ، فالحاصل أنّه لا إشكال في قبوله للتعبّد وإمكان التعبّد فيه ، وإنّما الكلام في وقوعه وأنّه هل يساعد دليل عليه أولا ، وعلى هذا فإذا ثبت حكم العقل بحجيّة الظنّ حال الانسداد والمفروض ثبوت الملازمة بينه وبين حكم الشرع فقد ثبت حكم الشرع ؛ لأنّ المقتضي موجود والمانع مفقود ، فقولكم في الجواب عن قاعدة الملازمة بأنّ المورد غير قابل لحكم الشرع كيف التوفيق بينه وبين القول بإمكان التعبّد الشرعي في الظنّ وقبوله له؟ وهل هو إلّا التناقض الواضح؟
قلت : جعل الظنّ حجّة يتصوّر على نحوين ، أحدهما ممكن الصدور من الشارع والآخر غير ممكن ، وأمّا الأوّل الذي هو الممكن هو أن يحكم الشرع في موضوع ظنّ المكلّف بحكم فيه مطابقا لمظنون المكلّف ، فإن كان قد ظنّ الوجوب جعل فيه الوجوب ، وإن ظنّ الحرمة جعل فيه الحرمة ، وهذا ممّا يمكن من الشارع صدوره ، فإنّه حكم مستقلّ كسائر أحكامه ، فلو علم به المكلّف وجب عليه امتثاله بحكم العقل ، فيكون حكم العقل بامتثاله متأخّرا عن نفس جعله وإنشائه ويكون جعله وانشائه موضوعا لحكم العقل ؛ لأنّه حكم مستقل ، فيقتضي امتثالا مستقلا ، فليس هذا تصرّفا في مرحلة الامتثال ، بل في موضوع الحكم العقلي بضم أمر إلى الأوامر الواقعيّة حتى يحكم عليه العقل بالامتثال مثلها.
وأمّا الثاني فهو أن لا يجعل الحكم بما هو مستقلا مطابقا للمظنون ، بل يجعل الوجوب في مورد الظنّ به بعنوان كونه امتثالا للحكم الواقعي المظنون ، فهذا الاعتبار لا يستتبعه حكم العقل بالامتثال ، وهذا غير ممكن الصدور من الشرع ، لما مرّ من أنّه كما أنّ الطاعة العلميّة يكفي في اللطف في موردها الأمر الأوّلي بنفس