مختار المولى المتقدّم قدسسره ، وتوضيحه أن يقال : إنّا بعد احراز القطع من الإجماع أو الضرورة بأنّ الشارع لا يرخّصنا في ترك التعرّض للوقائع المشتبهة وإهمالها نستكشف من ذلك أنّ للشارع اهتماما بالواقعيات ، بمعنى أنّها على فرض وجودها في ضمن هذه الأطراف التي ليست موردا للترخيص يهتمّ الشارع بها ، ومع إحراز الاهتمام يكون الاحتمال أيضا منجّزا بحكم العقل ، ولا يبقى مجال للبراءة العقليّة كما في باب الدماء والفروج حيث لا تجري البراءة فيها لأجل اهتمام الشرع فيها.
وبالجملة ، فمع إحراز الاهتمام من القطع المذكور لا يبقى مجال لدعوى الإجماع الثاني ولا لاستكشاف جعل الشارع إيجاب الاحتياط الطريقي ، بل يستقلّ العقل بوجوبه وتقرير حكومته حينئذ بأنّ الوقائع المهتمّة بنظر الشارع يجب أوّلا بحكم العقل ولو لم يتعلّق العلم بها، بل كان الموجود مجرّد احتمالها امتثالها بطريق القطع ، يعني يقطع امتثالها على تقدير وجودها، وإذا تنزّلنا عن الامتثال القطعي بأدّلة الحرج وجب الاقتصار على مقدار دفع الحرج والاحتياط في غيره ، فنتنزّل من
__________________
ـ قياسه بالاغراض النفسانية يوجب عدم الفرق بين احتمال التكليف المهتمّ أو غير المهتمّ ، ويأتي إن شاء الله تعالى في محلّه الفرق وأنّ العبد ليس مهمّه في نظر العقل تحصيل أغراض المولى ، بل يدور مدار الحجّة ، وقوله : ما علمت بإرادتك حجّة بين الموالي والعبيد وإن كان محتملا للإرادة المهتمّة وفرض واقعيّته ، وإذن فمجرّد استكشاف الاهتمام من الإجماع الأوّل لا يوجب تنجيز الواقعيات وخروج العقاب عليها عن كونه بلا بيان وحجّة ، فغاية ما يلزم من هذا الإجماع ولو مع ذلك الاستكشاف هو وجوب امتثال ما قام عليه الإجماع وهو يحصل بإتيان الموهومات والمشكوكات ، فالطريق السالم عن المحذور أن يدّعي مدّع أنّا نستكشف بطريق اللّم من هذا الاهتمام المستكشف من الإجماع إيجاب الاحتياط الطريقي أو جعل الطريق حتى يصير المنجّز للواقعيات ذلك المجعول الطريقي ، ولا يخفي أنّه على هذا يصير حجيّة الظن شرعيّة لا عقليّة ، غاية الأمر أنّ الاحتياط أو الطريق الذي جعله الشارع يعيّنه العقل في الظنّ. منه قدسسره الشريف.