ذلك لأنّ المعتبر أوّلا هو القطع بالواقع من أيّ سبب حصل ، وبعده الظنّ به من أيّ سبب حصل ، فكما لا يفرق بين الأسباب في القطع حال الانفتاح كذلك لا تفاوت بينها في الظنّ في حال الانسداد ، وسرّه أنّ الملاك هو الكشف عن الواقع ، ومن المعلوم أنّه لا مدخل في هذا الملاك لخصوصيات الأسباب.
وأمّا من حيث الموارد (١) فلا فرق في نظر العقل بين أبواب الفقه ، وذلك لأنّ اللازم أوّلا هو العلم بواقعيات أحكام الله تعالى ، ومع عدمه فاللازم هو الظنّ بها من دون فرق في ذلك بين أحكام الله المتعلّقة بالعبادات والمعاملات والعقود والايقاعات إلى غير ذلك من أوّل الفقه إلى آخره ، فإنّ كلّ ذلك أحكام الله ، هذا كلّه على الحكومة.
وأمّا بناء على القول بالكشف فقد أورد الشيخ المرتضى قدس سرّه على هذا القول أنّه لو تمّ هذا لزم بقاء المكلّف في الجهالة والحيرة وعدم العلم بما هو شغله ، وذلك لأنّ نتيجة المقدّمات على هذا ليس إلّا أنّ الشارع قد جعل للمكلّفين طريقا إلى الواقع ، وأمّا أنّ هذا الطريق خصوص الظنّ فلا يدلّ عليه دليل ، فلعلّه كان أمرا آخر غير الظن ، كما نشاهد في الطريق التي حكم الشرع بحجيّتها إمّا جعلا وإمّا امضاء حيث لا يحصل منها الظنّ ، بل ربّما يكون الظنّ على خلافها.
__________________
(١) قد يقال : إنّ قضيّة حكم العقل بحسب الموارد هو التفصيل بين ما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه ، وبين ما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج والدماء وسائر حقوق الناس وأنّه مستقلّ بالاكتفاء بالإطاعة الظنيّة في الأوّل ووجوب الاحتياط في الثاني ، ولا يخفى ما فيه ، فإنّ الكلام ممحّض في ما يحكم به العقل من قبل المقدّمات ، وأين هو ممّا هو ثابت سواء تمّت المقدّمات أم لا ، فوجوب الاحتياط في ما احرز الاهتمام على القول به لا يختصّ بحال دون حال ، فاحتساب التفصيل نتيجة للمقدّمات لا وجه له ، فالذي يقتضيه المقدّمات أنّه لا فرق بين الموارد ، ومن المعلوم أنّ الكلام ممحّض في موارد لم يتحقّق التنجيز من جهات اخرى ، منه قدسسره الشريف.