منعهم عن الظنّ القياسي مع مصادفته لتلك الواقعيات كثيرا ، وبعبارة اخرى : ردّ الإشكال بأنّه كيف يجوز للشارع الجمع بين هذين أعني إرادة تلك الاحكام من المكلّف ومنعه عن العمل بهذا الظن.
أمّا الدعوى الاولى فتقريبها أنّ العقل ما يكون بصدده ويتوجّه إليه همّه ، وتمام توجّهه إنما هو استخلاص المكلّف عن العقوبة وتحصيل براءته عن التكليف والأمن من تبعته ، وليس وراء ذلك له مقصد ومهمّ ، فلو فرض أنّ ارتكاب الفعل مأمون عن العقاب جوّز ارتكابه وإن كان فيه ألف مفسدة أو خلاف المصلحة.
وحينئذ نقول : إذا قطع من الشرع المنع عن العمل بظنّ فهذا القطع راجع إلى القطع ببراءة الذمّة عن الواقع الذي هو في ضمن المظنون على تقدير وجوده ، بمعنى أنّه بعد القطع بممنوعيّة ظنّه بالتكليف يقطع بأنّ هذا التكليف على تقدير تحقّقه فهو في الفسحة منه وليس في مضيقة ، فيقطع بأنّه لو ارتكبه كان سالما عن المؤاخذة المولويّة والعقاب ولو كان مصادفا للتكليف الواقعي ، وعند هذا فقد انتفى الملاك من البين ، فإنّه كان تمام ملاك حكمه بلزوم العمل بالظنّ تفريغ الذمّة وتحصيل البراءة عن الواقعيّات المعلومة بالإجمال على وجه الظنّ عند التنزّل عن العلم ، والمفروض حصول البراءة القطعيّة في ترك العمل بهذا الظن، فلا جرم ينتفي حكمه بوجوب العمل.
وأمّا الدعوى الثانية ـ وهو عدم دافعيّة احتمال منع الشارع عن حصول ظنّ عن جزم العقل وحكومته بحجيّته ـ فبيانها أنّه عند احتمال المنع فهو يحتمل براءة الذمّة على تقدير وجود التكليف في هذا العمل ، وليس له أزيد من الاحتمال شيء ، فإنّ المفروض أنّه يحتمل المنع ، فلا جرم ليس له إلّا احتمال البراءة ، وقد فرضنا أنّ العلم الإجمالي بالتكاليف قضيّته بحكم العقل تحصيل العلم بالفراغ منها ، ومع التنزل عنه تحصيل الظنّ بالفراغ والمؤمّن من العقاب ، فلا يجوز بعد العلم ، التنزّل إلى شكّ الفراغ أو وهمه مع إمكان تحصيل الظنّ به ، ولهذا يستقلّ عند هذا بتعيّن العمل على