طبق الظن المذكور ، فإنّ فيه الظنّ بالبراءة على أيّ حال ، إذ الواقع إمّا غير موجود فلا يضرّ العمل ، وإمّا موجود مع البراءة عنه لمنع الشرع عن العمل بالظنّ المتعلّق به فأيضا لا يضرّ العمل ، وإمّا موجود مع اشتغال الذمّة به فقد حصل المطلوب ، فقد حصل بهذا التقدير الظنّ بالبراءة عن التكليف الذي هو أحد أطراف العلم الإجمالى على نحو الظنّ ، بخلاف صورة ترك العمل بهذا الظنّ ، فإنّه ليس فيه إلّا احتمال البراءة ، والعقل حاكم بعدم الاجتزاء به ما دام البراءة الظنيّة ممكنة.
وأمّا الجواب عن الإشكال المذكور فهو أنّه إن أردت بهذا الإشكال المعروف من قديم الأيّام من لزوم التناقض أو الوقوع في المفسدة أو خلاف المصلحة فقد فرغنا عن دفعه في ما تقدّم باختلاف رتبة الحكم الظاهري مع الواقعي ، وبذلك يندفع التناقض وأنّ المفسدة وخلاف المصلحة يتدارك بمصلحة أقوى ، وبالجملة ، فليس إشكالا جديدا ، وإن كان المقصود كلاما جديدا غير ذاك الإشكال فلا بدّ من بيانه.
الأمر السادس : في الظنّ المانع والممنوع ، وهو أن يحصل ظنّ بحكم فرعي ، وظنّ آخر بعدم حجيّة الظنّ الأوّل ، مثل أن يظنّ بنجاسة العصير العنبى ، ثمّ حصل الظنّ الآخر بأنّ هذا الظن ليس بحجّة ، وهذا البحت مبنيّ على أن تكون مقدّمات الانسداد منتجة وأن يقال بتعميم النتيجة للواقع والطريق.
أمّا على تخصيصها بالأوّل فالأمر واضح ، وعلى التخصيص بالثاني يتمحّض محلّ البحث في ما إذا كان متعلّق الظنّين هو الطريق ، مثل أن يحصل ظنّ من الشهرة بحجّية الأولوّية ، ثمّ حصل ظنّ من الاستقراء بأنّ الظنّ الحاصل من الشهرة ليس بحجّة.
وكيف كان فعلى التعميم لا إشكال في أنّ معيار الحجيّة موجود في كلا الظنّين ولا يمكن اجتماعهما في الحجيّة ، فإنّ مفاد أحدهما أنّ العصير نجس ، ومفاد الآخر أنّه لا يمكن التعويل على هذا الظن ويكون ساقطا عن درجة الاعتبار ، وهذان مضمونان متنافيان لا يمكن شمول الحجيّة للظن بكليهما ، وحينئذ فهل الحجّة هو الظنّ المانع أو الممنوع؟