ثمّ إنّ في الكفاية في هذا المقام ما حاصله أنّ صاحب الفصول حيث توهّم أنّ المراد ظاهر الكلام من كون أصل المعنى في المشتق ومبدئه هو المعنى الحدثي وكون الفرق في مجرّد الاعتبار اللابشرطي والبشرطلائي استشكل عليهم بما ذكره ، ولم يعرف أنّ مرادهم كما يظهر من بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادّة والصورة من كون المشتقّ لا بشرط أنّ مفاده معنى لا يأبى عن الحمل على الذات ، ومن كون المبدا بشرط لا أنّ مفاده معنى يأبى عن الحمل على الذات وهذا لا يستلزم اتّحادهما في أصل المعنى أصلا. ولا يخفى أنّ هذا من المطالب الواضحة فيبعد إرادته من كلامهم الظاهر سياقه في كونه لبيان دقة. الثالث : هل ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى باقية على معانيها الأصليّة اللغويّة أو حصل فيها النقل أو التجوّز؟ التزم في الفصول بالثاني وهو قدسسره وإن لم يصرّح بكون النقل أو التجوّز في المادّة أو الهيئة ، لكن له التزامهما في الأوّل والتزامهما في الثاني لإمكانهما في كليهما.
أمّا الأوّل فلأنّ مادّة «ع ل م» مثلا موضوعة للصورة الحاصلة من الشيء في النفس وهي مختصّة بنا وليست من صفات الباري تعالى ، وكذا الكلام في سائر المواد ؛ فإنّها موضوعة لما هو مناسب لنا وأجنبيّ عنه تعالى ، ضرورة أنّ الواضع كان منّا.
وأمّا الثاني فلأنّ الهيئة موضوعة لذات له المبدا ، والعنوان منتزع عن هذا الذات ، فالمغايرة بين المبدا والذات شرط كونها حقيقة اتّفاقا إمّا لملحوظيتها في نفس معناها أو في منشأ انتزاعه ، ضرورة شهادة كلّ صفة بأنّها غير الموصوف ، وصفاته تعالى عين ذاته.
وأورد على هذا في الكفاية بأنّه وإن لم يكن بين ذاته تعالى وبين المبدا بحسب الخارج مغايرة أصلا ، لكن بينهما بحسب المفهوم مغايرة بلا إشكال ، وهذا المقدار كاف في كون الهيئة حقيقة.
لكن في هذا أيضا نظر ؛ لأنّ الشأن أن يحدث زيادة في المبدا يوجب تلك الزيادة عدم صحّة الحمل فيه ، وصحّته في المشتق كما هو الحال في ألفاظ الصفات الجارية علينا ، فإنّ المغايرة المفهوميّة للذات وإن كانت مشتركة بين المبادي والمشتقات ، لكنّ المغايرة الخارجيّة خاصّة بالمبادي ، ضرورة اتّحاد المشتقات مع