الذات خارجا ، وأمّا ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى فالمغايرة الخارجيّة للذات معدومة في المبادي والمشتقّات كليهما ، والمغايرة المفهوميّة متحقّقة في كليهما أيضا فلم يحدث تلك الزيادة في طرف المبادي.
والحقّ في المقام أنّ هذه الألفاظ باقية على معانيها الأصليّة اللغويّة ولم يتصرّف فيها بالنقل أو التجوّز لا في طرف المادّة ولا في طرف الهيئة ، أمّا في الأوّل فلأنّا نعلم بحسب فطرتنا إجمالا بأنّ في مقابل الجهل شيئا يعبّر عنه بالعلم وأنّه حسن كما أنّ الجهل قبيح ، وأنّ ما منه موجود فينا هو الفرد القاصر العاجز الناقص المحدود ؛ لكوننا قاصرين عاجزين ناقصين محدودين ، وما منه موجود في الباري تعالى هو الفرد الأكمل والأشرف الأعلى ؛ ضرورة أنّه معط لهذا الوصف الجميل إيّانا فكيف يفقده نفسه ، ولا بدّ أن يكون الموجود فيه تعالى هو العلم بهذا المعنى المقابل للجهل ؛ إذ هو الذي يكون صفة كمال ، وغيره لم يعلم كونه كذلك، وأمّا أنّه بأيّ نحو فلا نعلم تفصيله ، ولفظ العلم موضوع لهذا المعنى وكيفيّات تحقّقه المختلفة بحسب اختلاف الموارد خارجة عن الموضوع له ، وهكذا الكلام في سائر الموادّ كالحياة والقدرة والبصارة ونحوها.
وأمّا في الثاني فلأنّه لا شكّ أنّا إذا أردنا انتزاع الوصف نتخيّل الذات مغايرا للمبدا ، والمبدا مغايرا للذات أوّلا ، ثمّ ننتزع منهما الوصف ، فالمبدأ والذات متغايران في عالم التخيّل من دون فرق في ذلك بين الصفات الجارية عليه تعالى وبين غيرها ، فالهيئة موضوعة لعنوان بسيط منتزع عن الذات مع مبدإ يغايرها في عالم التخيّل ، غاية الأمر أنّ هذه الغيريّة في غيره تعالى لها واقعيّة وفيه تعالى إنّما هي مجرّد الفرض بلا واقعيّة ، وهذا هو السرّ في عدم صحّة حمل لفظ العلم عليه تعالى إلّا على وجه التجوّز ، وصحّة إضافته حيث إنّ لحاظ الغيريّة مأخوذ في معناه وإن لم يؤخذ في معنى أصل المادّة ، وهذا التخيّل لا ينافي اعتقاد العينيّة والاتحاد في صفاته تعالى خارجا أصلا ، بل هو ممكن مع حفظ هذا الاعتقاد ، ألا ترى أنّ المعتقد بوحدة جنس الشيء وفصله معه في الخارج يميزهما عنه في عالم الفرض مع حفظ ذلك الاعتقاد.