المقصد الأوّل في الأوامر
والتكلّم في هذا الباب تارة في مادّة الأمر واخرى في صيغته.
فنقول : قد ذكر للمادّة معان كالفعل كما في قوله تعالى : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)، والمطلب العظيم كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) إلى غير ذلك ، والبحث في ذلك وأنّ مرجعها إلى معنى واحد أو معنيين لا جدوى تحته.
نعم الظاهر أنّ كونها حقيقة في الوجوب ممّا لا شكّ فيه بحكم تبادره منه ، وممّا يرادفه في الفارسيّة من لفظ «فرمان» مع إمكان الاستشهاد بقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) حيث رتّب التوبيخ على مجرّد مخالفة الامر ، وقوله صلىاللهعليهوآله : «لو لا أن أشق على امّتي لأمرتهم بالسواك» ونحوهما.
لنا دعويان في لفظ الأمر بمعناه الطلبي لا بمعانيه الأخر :
الاولى : أنّ الأمر في هذا اللفظ من حيث كونه مشتركا لفظيّا بين الوجوب والندب أو معنويّا أو حقيقة في خصوص الأوّل أو خصوص الثاني أسهل من الصيغة ، فبأيّ من هذه الأقوال قلنا هناك نقول هنا بكون هذا اللفظ حقيقة في خصوص الوجوب ، والدليل على هذه الدعوى هو التبادر مضافا إلى الأدلّة اللفظيّة كقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ) الخ حيث دلّ على وجوب الحذر من مخالفة مجرّد الأمر ، وقوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) الخ ، حيث رتّب التوبيخ على مخالفة مجرّد الأمر ، وقوله صلىاللهعليهوآله : «لو لا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسواك» ، حيث دلّ على ثبوت المشقّة في مجرّد الأمر ، ومن الواضح عدم المشقّة في الطلب البدني ، كما أنّ من الواضح تعلّقه بالسواك.
وأمّا الثانية فيحتاج بيانها إلى مقدّمة وهي أنّ بعض العناوين يستحدث بتبع الدلالة على المعنى ويكون معلولا لها وواقعا في طولها بحيث لا يصير موجودا بمجرّد تحقّق أصل المعنى ، وبضميمة إظهاره ، والكشف عنه يصير متحقّقا سواء كان الدالّ لفظا أو كناية أو إشارة ونحوها ، فيكون الدالّ بعنوانه الأوّلي كاشفا عن ذاك