كيف والثاني قد ينفكّ ويتخلّف عن الأوّل ، ولو كان علّة لامتنع ذلك ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة ، نعم يصير حصول الشرط علّة للاستحقاق ، لكن بالعليّة القهريّة الحاصلة بتبع التعهّد والالتزام.
فإن قلت : هذا فيما إذا كان المعلول أمرا واقعيّا متحقّقا في نفسه لا بجعل الجاعل مسلّم ، فلا يمكن جعل الماء مثلا علّة للإحراق ، وأمّا لو كان تحقّقه وواقعيّته بجعل الجاعل واعتباره كالملكيّة فأيّ مانع من جعل العليّة حينئذ بأن يتعهّد أنّه متى تحقّق الشيء الفلاني اعتبر الملكيّة مثلا مترتّبا عليه.
قلت : لا شكّ أنّ للامور الاعتباريّة واقعيّة ونفس امريّة ؛ ولهذا يكون لها الصدق والكذب وليست بمجرّد فرض الفارض واعتبار المعتبر ، وإلّا لا نقلب الفوقيّة بالتحتيّة بفرضها كذلك ، ومن المعلوم خلافه ، فحال عللها حال العلل الواقعيّة كالنار ، بل هي منها.
وحينئذ فنقول : لا بدّ من وجود المناسبة بين العلّة والمعلول بالضرورة وإلّا لزم تأثير كلّ شيء في كلّ شيء ، ولا شكّ أنّ المناسبة وعدمها من ذاتيّات الشيء ، ومن المعلوم أنّ الذاتيّات جعلها بجعل محلّها ، ولا يمكن جعلها مستقلّة منفكّة عن المحلّ لا نفيا ولا إثباتا ، وإلّا لزم انفكاك اللازم وهو الذاتي عن الملزوم وهو الذات ، فجعل الناريّة والمشمشة مثلا إنّما هو بخلق النار والمشمشة ؛ ولذا ذهب من قال بقبول الأحكام الوضعيّة للجعل كالمصنّفقدسسره إلى عدم قبول السببيّة والعليّة له.
إذا تقرّر ذلك فنقول : من المسلّم المقرّر في محلّه أنّه لم يكن قبل الوضع بين الألفاظ والمعاني مناسبة بوجه من الوجوه ، فحينئذ فكيف يعقل جعل المناسبة بينها؟ فالممكن إنّما هو جعل اللفظ كاشفا عمّا في الضمير بالتعهّد ، فإن صار علّة لحدوث أمر فإنّما هو بالعليّة القهريّة للكشف.
وأيضا لو كان اللفظ علّة لحدوث المعنى فهو ليس بعلّة تامّة بلا إشكال وباعترافهقدسسره، بل يحتاج إلى ضميمة القصد ، وليس هو قصد التلفظ ؛ ضرورة تحقّقه في قولنا : اضرب فعل أمر ، ولا طلب ، بل قصد ايجاد المعنى ، ولا شكّ أنّ المخاطب