لا ينتقل إلى هذا القصد إلّا باللفظ ، فيلزم أن ينظر إلى اللفظ أوّلا بنظر الكاشفيّة والمرآتيّة للقصد والفناء فيه ، وثانيا بالنظر الاستقلالي ليصير متمّما للقصد في إحداث المعني ؛ ضرورة عدم إمكان الجمع بين اللحاظين في لحاظ واحد ، ومن المعلوم كفاية لحاظ واحد في مقام الاستعمال.
فإن قلت : هذه الدلالة إنّما هي عقليّة لا وضعيّة.
قلت : لو كانت كذلك لكانت حاصلة عند غير العالم بالوضع أيضا ومن المعلوم خلافه ، وبالجملة إذا كان اللفظ دالّا على هذا القصد بالوضع كان هو معناه لا محالة ، فلا وجه لجعل المعنى هو المعنى المستحدث حتّى يلزم الاحتياج إلى النظرين ، فلا بدّ من الالتزام بكونه مستحدثا بتبع الدلالة قهرا كما ذكرنا.
«فصل»
في أنّ صيغة الأمر موضوعة للوجوب أو الندب أو مشترك بينهما لفظا أو معنى ، لنا في هذا المبحث دعويان :
الاولى : أنّ الصيغة موضوعة للمعنى الأعمّ ، والدليل على ذلك أنّ إرادة الأعمّ منها في موارد علم ذلك كما في قول المولى : اغتسل للجمعة والجنابة ، خالية عن العناية وسالمة عن ارتكاب خلاف الظاهر عند المتكلّم والسامع ، وليس حالها كحال إرادة الرجل الشجاع من لفظ الأسد.
الثانية : أنّ المتبادر منها عند الإطلاق وعدم القرنية على شيء آخر هو الوجوب ، والدليل على ذلك أنّه لو قال المولى لعبده : افعل كذا ، فخالف العبد حسن منه عقابه ، ولم يسمع من العبد الاعتذار بأنّ الصيغة موضوعة للمعنى الأعمّ ولم يقم قرينة على إرادة خصوص الوجوب ، بل كان قول المولى : ألم تسمع قولي : افعل كذا حجته على العبد والجمع بين هذين التبادرين يقتضي أن يكون الثاني اطلاقيا لا وضعيا ، وأمّا أنّ منشائه ما ذا فغير معلوم ، فظهر أنّ حملها على الوجوب عند الإطلاق إنّما هو من جهة الانصراف ، لكنّ المصنّف قدسسره ذهب إلى أنّ الحمل