والثاني : وجوده مع المصلحة أو المفسدة في متعلّقة ، والثالث : وجوده مع المصلحة في نفس الحكم ، فيكون احتمال المصلحة أو المفسدة في نفس الفعل موهوما ، إلّا أن يقال بأنّ المفسدة لكونها عظيمة يكون موهومها أيضا واجب الدفع عند العقل ، هذا.
وأمّا الخدشة في الاستدلال بقاعدة دفع الضرر على فرض إرادة المفسدة الذات الشيء مع الإغماض عن عدم كون المفسدة مستلزما للضرر وتسليم حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بأنّ المقام من باب الشبهة الموضوعيّة التي تكون موردا للبراءة باتفاق الأخباريين ، وذلك لأنّ من جملة المحرّمات الشرعيّة إلقاء النفس في المضارّ الدنيويّة والاقتحام في الشبهة المذكورة يشكّ في أنّه مصداق للمفهوم المذكور أو لا؟.
فالإنصاف عدم إمكان إلزام الخصم بها ؛ إذ له أن يجيب بأنّ الشبهة الموضوعيّة التي قد انعقد اتّفاقنا فيه على البراءة إنّما هي خصوص التي لم يكن رفعها وظيفة للشرع وكان منشؤها الامور الخارجية كالشبهة في أنّ المائع خمر أو ماء لأجل ظلمة الهواء مثلا ، دون الشبهة التي رفعها وظيفته ، كما في المقام ، فإنّه بعينه محلّ الكلام.
والثاني من وجوه تقرير البيان على مسلك الأخباري وإن لم يوجد تعرّض له في كلماتهم أن يقال : بأنّ نفس احتمال التكليف بيان ، من دون حاجة إلى ضميمة القاعدة المزبورة ، وتقريره أن يقال : إنّ حجّة المولى على العبد يصير تماما بمجرّد احتماله وجود التكليف في الواقع ، وأن يكون عدم وصوله إليه لأجل إخفاء الظالمين ، فلو ارتكبه مع ذلك يحتمل أن يكون التكليف في الواقع متحقّقا ، فيقع في مقام مؤاخذة المولى ، فيقول له : أما كنت تحتمل كون هذا الفعل محبوبا لي أو مبغوضا لي ، فلم تركته أو جئت به ، ألم تكن في محبوبات نفسك ومبغوضاتك تعامل مع محتملاتها معاملة المعلومات؟ فلو وضع عندك إناء تحتمل بعد الفحص كونه سمّا لكنت تجتنبه ، فلم صار محبوبي ومبغوضي عندك أهون من محبوبك ومبغوضك؟.