فصل فى الشك بين الاقل والاكثر :
ثمّ إنّك عرفت تفاوت الشكّ في التكليف مع الشكّ في المكلّف به والعلم بأصل التكليف في الأصل العقلي وأنّ الأوّل مجرى البراءة والثاني مجرى الاشتغال ، فاعلم أنّ هنا موارد قد اختلف في حكم العقل فيها وأنّه البراءة أو الاشتغال من جهة الاختلاف في جعلها من مصاديق أحد القسمين السابقين ، فمن جعلها مصداقا للشكّ في التكليف جعل الأصل فيها البراءة ، ومن جعلها من الشكّ في المكلّف به حكم بالاشتغال.
ومن جملة تلك الموارد الترديد بين الأقلّ والأكثر ، ونحن نذكر أوّلا تقريب مدّعى القائلين بالاشتغال على وجه الاستقصاء لتمام ما يمكن التأييد به لهم.
فنقول وعلى الله التوكّل : إنّ الدليل على هذا المدّعى هو أنّ العلم الإجمالي حاصل بالمطلوبيّة النفسيّة إمّا في الأقل وإمّا في الأكثر ، وقضيّة العلم الإجمالى بالتكليف الإلزامي بين أمرين هو الاحتياط كما مرّ في المتباينين حرفا بحرف.
لا يقال : سلّمنا ، ولكن هذا العلم الإجمالي ينحلّ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، فإنّا نعلم بوجوب الأقلّ تفصيلا ؛ إذ على تقدير كون الواجب النفسي هو الأكثر كان الأقلّ أيضا واجبا بالوجوب المقدّمي ، لكونه مقدّمة للأكثر الذي هو الواجب النفسي ، ثمّ بعد هذا العلم إنّا نشكّ في وجوب الزائد ، فالأصل البراءة.
لأنّا نقول : سلّمنا العلم التفصيلي بالوجوب الأعمّ من النفسي والغيري في الأقلّ ، ولكن نقول : الذي يكون مورد حكم العقل ويكون العلم به موضوعا للأثر العقلي ومنشئا لوجوب الإطاعة ووجوب الامتثال العقلي إنّما هو الطلب النفسي ، وأمّا الغيري فليس له من هذه الآثار شيء ، إذ من المقرّر في محلّه أنّ الوجوب المقدّمي لا يورث مخالفته عقابا أصلا ، ومن المعلوم أنّ ملاك حكم العقل وإلزامه