فتشهّد ، فقال : سلّم فسلّم ، فليس لهذا الأمر الذي سمعه اقتضاء أزيد من ذلك ، فلو كان المولى في الأثناء قائلا : اقرأ السورة ولم يسمعه العبد فليس لما سمعه من أمره اقتضاء بالنسبة إلى إتيانها وإن كان هو متعلّقا بمتعلّقه لا على وجه الاستقلال ، بل على نحو الاندكاك ، ولكن مع ذلك تأثيره وفعّاليّته ليس بأزيد من إتيان نفس المهملة أو الأقلّ كما في العلّة العقليّة، وحينئذ فيتعيّن كون فوت الغرض من غير ناحية العبد ، فتأمّل في أطراف هذا المقام بالتأمّل التامّ.
ثمّ هذا كلّه تمام الكلام في التوصّليات ويجري بتمامه في التعبّديات أيضا ، إلّا أنّه يبقى مع ذلك فيها اشكال وهو أنّه ربّما يقال : إنّ من المقرّر في باب العبادات لزوم إتيانها على وجه القرب وتوقّف سقوط أمرها على ذلك ، فيجب في هذا الباب تعبّدا الإتيان بكلّ ما يحتمل دخله في حصول القرب وكون تركه مفضيا إلى عدم حصوله ، فالإتيان بالأكثر وإن كان غير لازم في غير العبادات ، ولكنّه واجب لمكان هذا التعبّد في العبادات.
وحاصل الجواب عن هذا الإشكال أن يقال : ما المراد بالقرب المعتبر في العبادة ، فإن أردتم كون العمل بحيث صار موجبا لتقرّب العبد وصيرورته ذا منزلة لدى المولى وذا حقّ عليه بسبب عمله ، فهذا أمر لا يتّفق لأحد من عامّة الخلق ممّن عدا أهل بيت الوحي وخلّص شيعتهم ، وإن أردتم معنى سهل المئونة يحصل بإتيان العمل بقصد الفرار عن عقوبة مخالفة الأمر الأم أو النيل إلى مثوبة موافقته ، وبعبارة اخرى أن يكون الميزان عدم مساواة فاعل العمل مع تاركه في نظر العقل وكون الأوّل أقرب بمقام عبوديّة المولى من التارك بالمرّة ، فهذا أمر حاصل في المقام بموافقة الأمر بالأقلّ بالداعي المذكور أعني قصد الفرار عن تبعة عقوبته ، فإنّ هذا الفاعل يرجّح في نظر الشرع والعقل على من ترك المأمور به بالمرّة ، وهذا واضح.
هذا كلّه هو الكلام في البراءة العقليّة ، وأمّا الكلام بحسب النقل فاعلم أنّه لا إشكال في البراءة نقلا بعد فرض القول بها عقلا ، ووجهه أنّه يصير الأقلّ معلوم الوجوب والزائد مشكوكه ، فيدخل الثاني تحت حديثي الرفع والحجب دون الأوّل.