ففرق بين قضيّة : «العصير إذا غلى يحرم» وبين قضيّة : «إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود» ، ففي الاولى تكون هذه القضيّة واردة من الشارع ، ونحن أيضا نقطع بورودها من الشرع من دون حاجة في حصول هذا القطع إلى تقدير شيء وأمّا القضيّة الثانية فلا يحصل اليقين فيها إلّا بعد فرض طلوع الشمس ، ووجه الفرق خلوّها عن جعل الشرع.
والحاصل أنّ القضيّة الاولى يكون فرضها من الشارع ، والإنشاء في حيّز هذا الفرض أيضا منه ، والمكلّف قاطع بصدور هذا العمل من الشارع ، وأمّا القضيّة الثانية فأصلها من المكلّف وفرضها منه ، واليقين في حيّز هذا الفرض أيضا منه ، فتدبّر.
هذا تمام الكلام في الشبهة الماهوتيّة بحسب الأصل العقلي والاستصحاب ، وأمّا بحسب النقلي غير الاستصحاب فيمكن التمسّك لصحّة الصلاة في اللباس المشكوك بأدلّة حلّ الأشياء مثل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» وقوله عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه» وإن قلنا بأنّ هذه الأدلّة غير شاملة للشبهات الحكميّة ومختصّة بالموضوعيّة ؛ فإن هذه الشبهة أيضا موضوعيّة.
غاية ما يقال : إنّ هذه الأدلّة مختصّة بما إذا كان الشبهة في الحليّة والحرمة النفسيّتين ، مثل اللحم المردّد بين المذكّى والميتة ، حيث يشكّ في أنّ أكله حرام نفسا أو حلال كذلك ، فهي أجنبيّة عن مثل المقام الذي تكون الشبهة في حليّة الصلاة في المشكوك وحرمتها بمعنى الصحّة والبطلان.
وهذا غير وارد ، لأنّ استعمال الجواز وعدمه والحليّة وعدمه في الصحّة والبطلان شائع في الأخبار ، كما يظهر من مراجعة الوسائل في بابي الصلاء في ما لا يتمّ فيه الصلاة وفي جزء غير المأكول ، والفرق بين الحرمة وعدم الجواز كما ترى ، فكما تكون هذه الأدلّة شاملة للشبهة الموضوعيّة من حيث الحرمة والحليّة التكليفيتين تكون شاملة للشبهة الموضوعيّة من حيث الصحّة والبطلان.