والوجه أن يقال بتقييد الإطلاق المذكور بواسطة الأدلّة الدالّة على وجوب التفقّه في الدين والتعلّم للعلوم الحقّة ، فنحكم بمقتضى هذه الأدلّة في الشبهات الحكميّة بوجوب التعلّم والفحص ، ويقيّد إطلاق أدلّة الرخصة في الشكوك بما بعد الفحص.
لا يقال : إنّ مثل آية النفر الدالّة على وجوب التفقّه في الدين شامل للاصول والفروع ، فإنّ الدين ليس إلّا عبارة عن العقائد والعمليّات ، فتكون النسبة بين هذا وبين إطلاق أدلّة الرخصة عموما من وجه ، لشمول الثانى للموضوعات بخلاف الأوّل ، وشمول الأوّل للعقائد بخلاف الثاني ، ويكون مورد الاجتماع هو الأحكام الفرعيّة التي هي محلّ الكلام.
لأنّا نقول : وإن كان الحال في بعض من تلك الأدلّة كما ذكرت ، إلّا أنّ بعضا آخر منها يخصّ بالأحكام الفرعيّة وهو كاف في المطلوب ، وذلك مثل ما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) من أنّه يقال للعبد يوم القيامة : هل علمت؟
فإن قال : نعم ، قيل : فهلّا عملت؟ وإن قال : لا ، قيل له : هلّا تعلّمت حتّى تعمل؟.
ومثل قوله عليهالسلام في من غسل مجدورا أصابته جنابة فكزّ فمات : قتلوه قتلهم الله ألّا سألوا؟ ألّا يمّموه.
ثمّ إنّ سنخ الحكم في هذه الأخبار بعد تقييد الإطلاق المذكور يكون كسنخ حكم العقل لو لا هذا الإطلاق ، فكما كان حكم العقل لو لا هذا الإطلاق وجوب الفحص لا لنفسه ، بحيث يعاقب على تركه من حيث هو ، بل هو لأجل حفظ الواقع بحيث يعاقب على تركه من حيث إفضائه إلى ترك الواقع ، كذلك يكون حكم الشرع في تلك الأخبار بوجوب التعلّم أيضا لأجل حفظ الواقع لا لمطلوبيّة في نفسه ، فيكون مضمونها إرشادا إلى عين ما استقلّ به العقل لو لا وجود الإطلاق ، والحاصل أنّ وجوب التعلّم في هذا المقام يكون مثل وجوب الاحتياط الذي حكم به الشرع في بعض المقامات في كونه وجوبا طريقيّا يكون الغرض منه حفظ الواقع.