الضرر والحرج ، وأمّا قبله فهي كانت دينا على وجه الحقيقة ؛ لأنّ المقتضيات للأحكام تامّة في مورد الضرر والحرج أيضا ، غاية الأمر أنّها كانت دينا ضرريّا حرجيّا ، فتفضّل الشارع على العباد برفع اليد عن تلك المقتضيات في موارد الضرر والحرج ، فهي كانت دينا قبل هذا التفضل وليست بدين بعده.
ولكنّ الحقّ فساد هذا الطريق ؛ لأنّ القاعدة تعارض مع كلّ واحد من الأدلّة المثبتة للأحكام ، وما ذكر من أنّ تلك القواعد بجميعها دين وقاعدة لا ضرر أخصّ مطلق منه كلام بلا محصّل ؛ فإنّ مفاد القاعدة أنّ الحكم الضرري ليس مجعولا في الدين ، وإيجاب الوضوء الشيني مثلا حكم ضرريّ ، فتنفيه القاعدة بعمومها ، ودليل إيجاب الوضوء يفيد بعمومه أنّ هذا الحكم الضرري مجعول في الدين ، فيكون بينهما تعارض العموم من وجه ، وكذلك الحال في سائر الأدلّة.
واخرى يقال بتقديم القاعدتين على سائر الأدلّة من طريق الحكومة ، ولتقرير ضابط الحكومة وجهان ، أحدهما غير تام في المقام ، والآخر تامّ فيه.
فالأوّل وهو مختار شيخنا المرتضى قدسسره أن يكون أحد الدليلين ناظرا إلى مدلول الدليل الآخر ، لا من حيث نفس المدلول ووجوده في عالم الثبوت ، بل من حيث كونه مدلول الدليل ووجوده في عالم الإثبات.
وبعبارة اخرى : يكون أحد الدليلين بمنزلة كلمة «أي» و «أعني» بالنسبة إلى الدليل الآخر ، ولازم ذلك أنّه لو لم تكن القاعدة الظاهريّة الموجودة في عالم الإثبات التي هي المحكوم كان الدليل الحاكم لغوا ؛ لأنّه مفسّر بلا مفسّر وشارح بلا مشروح ، نعم يكفي وجود المحكوم لاحقا بأن يكون النظر في الحاكم إلى القانون الذي يضرب بعد ذلك.
وهذا الوجه في كلّ مورد تحقّق لا إشكال في كونه موجبا لتقديم الحاكم ، لأنّ المفروض أنّ المتكلّم قد تصدّى لشرح مراده من الدليل المحكوم ، إلّا أنّه لا يتمّ في بعض الموارد التي نقول فيها بحكومة دليل على دليل آخر ، إذ لا ينطبق هذا الضابط على أدلّة الأمارات التي نقول بحكومتها على أدلة الاصول ، لوضوح أنّ