إحراز الكون السابق لا يصلح الاستناد إليه ، ومع عدم ثبوت الشكّ في اللاحق وثبوت القطع يكون الاستناد إلى الكون اللاحق دون السابق.
ثمّ إنّ لفظ الاستصحاب في الاصطلاح عبارة عن العمل الصادر من المكلّف على ما يظهر من مشتقّاته مثل تستصحب ونستصحب واستصحب وغيرها ، وهذا العمل هو الإبقاء العملي المذكور ، فهو لا يختلف باختلاف جهات الاعتبار على حسب اختلاف الأنظار ؛ فإنّ الإبقاء العملي الصادر من المكلّف شيء واحد في الجميع ، غاية الأمر أنّ وجه وجوبه واعتباره على رأى هو الأخبار وقول الشارع «لا تنقض» وعلى آخر هو السيرة وبناء العقلاء ، وعلى ثالث هو الظنّ الحاصل من الكون السابق باعتبار أنّ ما ثبت يدوم في الغالب.
وذكر بعض الأساتيد قدسسره في الحاشية إشكالا على التعريف المذكور حاصله أنّ الاستصحاب يختلف معناه وحقيقته على حسب اختلاف الأنظار في وجه حجّيته واعتباره بحيث لا ينضبط معانيه تحت جامع واحد ، فلا يصحّ جعل التعريف له على جميع الأقوال ، وذلك لأنّه على رأى من يقول باعتباره من جهة الأخبار عبارة عن حكم الشارع الذي هو مفاد «لا تنقض» وعلى رأي من يقول باعتباره من جهة بناء العقلاء عبارة عن حكم العقلاء والتزامهم ، وعلى رأى من يقول باعتباره من جهة إفادة الكون السابق للظنّ عبارة عن المظنّة الحاصلة من الحالة السابقة ، ومن المعلوم عدم الجامع بين هذه الثلاث.
ثمّ تفصّى عن الإشكال مستمدّا بكلمة «اللهم» بما حاصله أنّ الجامع هو حكم الشارع بالبقاء سواء كان بلا واسطة كما على الرأي الأوّل ، أم معها كما على الأخيرين ؛ فإنّ بناء العقلاء والمظنّة المذكورة لا بدّ من انتهائهما إلى حكم الشارع وإمضائه ، هذا ما ذكره قدسسره.
وأنت خبير بأنّ الإشكال والدفع المذكورين مبنيّان على كون الاستصحاب عبارة عن حكم الشرع بالبقاء ، وقد عرفت أنّه عبارة عن الإبقاء العملي الصادر من المكلّف وأنّ الاختلاف في جهة اعتباره لا يوجب اختلافا فيه.
ثمّ إنّه يعتبر في الاستصحاب فعليّة اليقين والشكّ بحيث يدور مدار فعليّتهما