الأمر الثاني :
اعلم أنّ في حجيّة الاستصحاب وعدم حجيّته والتفصيل أقوالا كثيرة شتّى ، ولا مهمّ لنا في عدّ تلك الأقوال ، وإنّما المهمّ التعرّض لبيان أنّه هل يكون دليل على حجيّة الاستصحاب مطلقا أو في بعض الموارد ، أو لا دليل على حجيّته أصلا ، فنقول : يظهر من المتقدّمين عدم تمسّكهم لحجيّته بأخبار عدم نقض اليقين بالشكّ ، بل تمسّكوا بوجوه أخر ، مثل أنّ العلّة الموجدة مبقية وأنّ ما ثبت يدوم ونحو ذلك ، والتمسّك بتلك الأخبار شاع بين المتأخّرين ، وأوّلهم ـ على ما حكي ـ والد شيخنا البهائي قدسسرهما حيث وقع التعبير عن الاستصحاب في كلامه بعدم نقض اليقين بالشكّ.
وكيف كان فقد ادّعى شيخنا المرتضى قدسسره حجيّة الاستصحاب في خصوص ما إذا كان الشكّ اللاحق ناشئا من الشكّ في الرافع مع إحراز المقتضي ، دون ما إذا كان ناشئا من الشكّ في المقتضي ، ولا يخفى أنّه لو كان المتيقّن من أدلّة الباب هو الحجيّة في مورد الشكّ في الرافع كان كافيا في إثبات هذا المدّعى ؛ لأنّ عدم الدليل على الحجيّة في مورد الشكّ في المقتضي يكفي في عدم الحجيّة كما هو واضح. (١)
وحاصل ما استدلّ به قدسسره لمدّعاه من أصل حجيّة الاستصحاب في الجملة وحجيّته في الشكّ في الرافع دون المقتضي وجوه ثلاثة :
الأوّل : ظهور الاتّفاق على أنّه متى كان يقين سابق وشكّ لا حق مع إحراز المقتضي يبنى على اليقين السابق ، ولا ينافي هذا مع ما صرّح هو به من أنّ الأقوال في مسألة الاستصحاب أحد عشر أو أكثر ؛ لأنّه يمكن حصول الحدس القطعي للفقيه من اتّفاق جماعة على المطلب وإن كان الباقون على خلافه.
__________________
(١) راجع هذا البحث فى ص ...