محرّمات ، وقضيّة هذا القطع والعلم الإجمالي بحكم العقل وجوب الإتيان بكلّ محتمل الوجوب، ووجوب الاجتناب عن كلّ محتمل الحرمة.
لا يقال : هذا العلم الإجمالي إنّما هو قبل مراجعة الأدلّة ، وأمّا بعدها فينحلّ إلى القطع التفصيلي بما يشتمل عليه الأدلّة من التكاليف والشكّ البدوي في ما يكون خارجا عن مداليلها ، والقاعدة في الشبهة البدويّة هي البراءة.
لأنّا نقول : لا يكون مفاد الأدلّة حصر التكليف في مداليل أنفسها ، فإنّ مفاد «أقيموا الصلاة» مثلا وجوب الصلاة مع عدم التعرّض لغيرها ، ومفاد «آتوا الزكاة» هو وجوب الزكاة بدون تعرّض لحال الغير وهكذا ، وحينئذ فلا تنافي بين العلم الإجمالي ومفاد هذه الأدلّة ، فيكون العمل بمقتضى كليهما واجبا.
فحينئذ يكون سبب تنجيز التكليف في بعض المحتملات اثنين ، وهو ما قام على التكليف فيه دليل معتبر ، فالتكليف منجّز فيه بسببين : الدليل والعلم الإجمالي وفي بعض آخر يكون واحدا وهو ما كان خارجا عن مدلول الأدلّة إمّا لإجمال الدليل أو لعدمه أو لتعارض الدليلين ، فينحصر المنجّز فيه في العلم الإجمالي ، فالمقام نظير ما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين ثمّ قام البيّنة على نجاسة واحد معيّن منهما ، فإنّه ليس مفاد قول البيّنة حصر النجاسة في هذا الواحد ونفيها عن الإناء الآخر ، بل من المحتمل نجاسة كليهما ، فالواجب الاجتناب عن كليهما ، غاية الأمر المنجّز في هذا الواحد شيئان : العلم والبيّنة ، وفي الآخر هو العلم فقط.
نعم لو قطع بأنّ النجس في ما بينهما واحد لا أزيد يضمّ هذا القطع إلى البيّنة التي جعلها الشارع بمنزلة القطع ، فيكون كما لو قطع بحصر النجس في الواحد وقطع بنجاسة هذا المعيّن ، حيث يورث هذان القطعان القطع بطهارة الإناء الآخر ، وأمّا إذا لم يكن قطع بالحصر ولا كان الحصر مفاد قول البيّنة فلا محيص عن اجتناب كليهما بمقتضى العلم في أحدهما ، وبمقتضاه مع البيّنة في الآخر.
وليعلم أنّا وإن قلنا بالإجماع من الأخباريين على البراءة في الشبهة الوجوبيّة ، لا يوجب ذلك إجمالا في هذا الدليل وإن كان يوجبه في الأدلّة النقليّة