الأمر التاسع : فى استصحاب حكم الخاص (١)
لا شبهة في أنّ جريان الاستصحاب مخصوص بما إذا لم يكن في البين عموم أو إطلاق يرفع الشكّ نفيا أو إثباتا ، فإنّ الحاجة إلى الأصل إنّما هي بعد اليأس عن الدليل ، فلا يرجع إليه مع وجود الدليل ، وإنّما الكلام في بعض الموارد في أنّه موضع الرجوع إلى العامّ ، أو موضع الاستصحاب ، وهو ما إذا كان في البين عموم استغراقي ، وخرج منه فرد في زمان ، فشكّ في حكم هذا الفرد في ما بعد هذا الزمان ، كما إذا ورد : أكرم العلماء ، وخرج منه زيد العالم في يوم الجمعة ، فشكّ في وجوب إكرامه وعدمه في يوم السبت ، فهل يرجع فيه إلى عموم العام أو إلى استصحاب حكم الخاص؟.
تحرير الكلام في المقام أن يقال : إنّ العموم الأزماني تارة يلاحظ على وجه العموم الاستغراقي ، فيفرض الزمان متعدّدا بتعدّد أجزائه ، فيفرض كلّ جزء منه موضوعا مستقلّا ، وهذا على قسمين ، الأوّل : أن يلاحظ تلك الأجزاء الملحوظ على وجه الاستقلال في عرض أفراد العموم الأفرادي ، فيصير كلّ فردا فردا بعدد تلك الأجزاء ، فيكون مفاد قوله : أكرم العلماء كلّ يوم على هذا ، أكرم زيدا الكائن في يوم الجمعة وزيدا الكائن في يوم السبت ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأفراد وسائر الأزمان ، وحينئذ يكون الزمان قيدا مفرّدا مكثّرا لأفراد الموضوع.
والثاني : أن يلاحظ تلك الأجزاء في طول أفراد العموم الأفرادي وظرفا للحكم ، فيكون مفاد قوله : أكرم العلماء كلّ يوم ، على هذا : أكرم زيدا كلّ يوم وعمروا كلّ يوم ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأفراد ، فالزيد على هذا فرد واحد في تمام الأيّام.
__________________
(١) راجع ص ٦٠٢ وص ٥٧٣