النفس ، لما ذكرنا من عدم إفادة الطريق قطعا بالواقع وإنّما هو مجرّد حجّة شرعيّة ، فالعلم الإجمالي بعد الأدلّة الشرعيّة باق موضوعا غير منحلّ.
نعم هذا كلام لا يتمشى بالنسبة إلى من قال من الأخباريين بأنّ مداليل الأخبار قطعيّة كما هو واضح.
والجواب عن هذا الاستدلال بأنّ دائرة العلم الإجمالي محدودة بخصوص ما بأيدينا من الأخبار قد علم دفعه من تقريب المستدلّ ، فلا بدّ من التشبّث في الجواب بوجوه آخر ، فنقول : يمكن الجواب بوجوه :
الأوّل : إنّا سلّمنا أنّ الأخبار لا يفيد القطع ولا الانحصار ، ولكن نقول : إنّ العلم الإجمالي ليس أثره إلّا حكم العقل بوجوب امتثال التكليف المعلوم إجمالا بمقدار المعلوم الإجمالي ، فلو تعلّق العلم الإجمالي بوجود أربع أغنام موطوءة في قطيع فليس اقتضاء هذا العلم من المكلّف إلّا الاجتناب عن أربع أغنام موطوءة واقعيّة ، وحينئذ فإذا قام الطريق الشرعي الثابت الحجيّة شرعا مثل البيّنة على موطوئيّة أربع معيّنة من هذا القطيع واجتنب المكلّف عن هذه الأربع بالخصوص فقد خرج عن عهدة التكليف المزبور وسقط حجّة المولى عنه ، وذلك لأنّه قد تحقّق منه الاجتناب عن أربع أغنام موطوءة واقعيّة.
أمّا اجتنابه عن أربع أغنام فواضح ، وأمّا كونها واقعيّة فلأنّه قضيّة إيجاب الشارع على المكلّف العمل بهذا الطريق بعنوان كونه طريقا إلى الواقع وأمره إيّاه بتصديق هذا الطريق وإلغاء احتمال الخلاف فيه ، فإنّ معنى ذلك أنّ مؤدّى هذا الطريق يبنى الشارع على كونه واقعا وأوجب على المكلّف أيضا أن يبنى على كونه واقعا ، ولا يخفى أنّه لا يلزم من هذا البيان التصويب ، فإنّ هذا كلّه هو الكلام في مرحلة الامتثال مع محفوظيّة الواقعيات في محالّها وعدم تغيّرها عن حالها.
الوجه الثاني أنّ العلم الإجمالي يصير منحلّا حقيقة بعد قيام الطرق الشرعيّة ، وذلك لأنّه لو كان للمعلوم الإجمالي خصوصيّة وكانت هذه الخصوصيّة أجنبيّة عن الحكم الشرعي وكالحجر بالنسبة إليه ، ثمّ حصل العلم التفصيلي الوجداني